الاثنين، 8 يونيو 2009

محرقة المصريين

كان محمد تلميذا نابغا بمدرسة طيبة للغات، عقليته الفذة دفعت أساتذته لنصيحة أبيه بضرورة إلحاقه بسنة دراسية أعلي حتي لا تضيع عليه السنوات في تحصيل مواد أقل من قدراته العقلية.حاول الأب إخضاع ابنه لاختبار قدرات وإلحاقه بالسنة الملائمة لإمكانياته في أي مدرسة أخري، لكن القوانين العقيمة وقفت أمام تحقيق رغبته فلم يجد سوي المدرسة البريطانية بمدينة الرحاب، التي رحبت به، وبالفعل قفزت به عامين دراسيين في المرحلة الابتدائية.
انتقل محمد من عام إلي آخر بتفوق، متجاوزا زملاءه المصريين والأجانب، ورغم المصروفات الباهظة التي تكبدها الأب، إلا أنه كان يري في ولده استثمارا حقيقيا، سوف يؤتي ثماره، وربما يصبح في الغد زويل جديداً.منذ أيام دخل الأب علي محمد فوجده منهمكا في الكتابة ودموعه تنهمر من عينيه بغزارة، فظن للوهلة الأولي أن ابنه الذي دخل مرحلة المراهقة يكتب خطابا غراميا يبث فيه لفتاته لوعة أشواقه وحرقة قلبه، وكانت المفاجأة.لقد وجد الأب ابنه يكتب قصيدة شعرية باللغة الإنجليزية علي لسان أحد ضحايا اليهود الذين عذبهم هتلر في محرقة "الهولوكوست"، وراح الولد ببراعة يصف معاناة اليهود الذين أحرقوا وشردوا وهجروا، ويزداد بكاؤه مع سرده للكلمات أمام أبيه الذي صعقته الصدمة، وعرف بعدها أن مدرسته البريطانية كلفتهم في حصة التاريخ، بأن يتخيل كل منهم نفسه أحد ضحايا اليهود ويعبر عن مأساته في نص شعري أو نثري.اشتاط الأب غضبا وذهب في اليوم التالي للمدرسة متسائلا عن طبيعة المنهج الذي يدرسه ابنه، وطالب بالتحقيق في الموضوع، لكن المدرسة لازمت الصمت فعقد الأب العزم علي نقل ابنه لمدرسة أخري بعد انتهاء امتحانات آخر العام.هذا ما حكاه لي السياسي البارز ورجل الأعمال مجدي المعصراوي الذي يعيش الآن مأساة حقيقية بعد أن شوهت أفكار ابنه محمد، محاولا تصحيحها عبر جهد ربما ينجح فيه بما يمتلكه من وعي ومعرفة، ولكن ماذا عن الطلبة الآخرين الذين انساقوا وراء هذه الأفكار المغلوطة، ليزج بهم في محرقة جديدة لتشويه الهوية.وبالطبع ليس هناك حاجة للسؤال عن وزارة "لا تربية ولا تعليم" التي سمحت لهذه المدارس أن تعيث فسادا في عقول أبنائنا، لتصور اليهود وكأنهم وحدهم المعذبون في الأرض عبر صفحات التاريخ الأعمي الذي أسقط عن قصد مآسي ملايين الجزائريين الذين مورست ضدهم أبشع صور التعذيب تحت الاستعمار الفرنسي، وحتي الآن مازالت آلة الاحتلال الأمريكي والبريطاني تشرد وتعذب وتقتل العراقيين كل يوم، تزامنا مع استمرار الاسرائيليين في تصفية الشعب الفلسطيني.ورغم فداحة ما ترتكبه المدارس الأجنبية، فإنه لا يوازي ما جلبته علينا سياسات العولمة والانفتاح علي الآخر من خراب في مدارسنا، وتضافرت معها يد سماسرة تفكيك الوطن، الذين أقروا أخيراً رفع أي مواد تعليمية بها ولو أدني شبهة عداء لليهود، إعلاء لفضيلة ما يسمونه "السلام" الذي يصبح رذيلة حين نرفع أصواتنا مطالبين بالعدل وعودة الحقوق لأصحابها والحفاظ علي هوية شعوبنا!


زينب حسن
8 يونيه 2009

هناك تعليق واحد:

  1. شدتنى القصة جدا
    بصراحة فى البداية لانى اعرف ابطالها معرفة جيدة
    ثانيا لانها مصيبة هذا الزمن ان يربى الاب ابنة فى مدارس اجنبية فيخرج شخصية ذات هوية اجنبية ايضا
    وغالبا يخرج فاقد الهوية
    احمد الله عز وجل ان بعض من اولياء الامور يملكون عقل
    يميزون به

    تحياتى لك

    ردحذف