الأربعاء، 14 أبريل 2010

سر الأسرار


أحبك.. لا تفسير عندي
أفسر ماذا والهوي لا يفسر

هل حقاً لا يمكن تفسير الهوي؟.. إنهم يقولون إن الباحث عن سر الحب كالذي يذبح عصفوراً ليعرف مواطن الجمال في حنجرته..
أري أن التشبيه بعيد جداً، وأن الذين يزعمون أن الحب لا يفسر هم أولئك الذين لا يريدون التفتيش داخل أنفسهم لكي يقدموا الإجابة عن سؤال لابد أن يكون شغلهم: ما الحب؟
ربما عاش الكثيرون دون أن يعرفوه.. لكنني أزعم أنني لامست ذلك الكائن الخفي الذي يسكن في الروح كضياء القمر في كهف مظلم، ويتحدث بلغة خاصة قد تكشفها العيون أو تخفيها، لكنه يعلن عن نفسه في ملامح وجه صبوح تكسوه علامات الرضا والتسامح والاكتفاء.
لغة تتقطر بلمسة أو ابتسامة أو كلمة تجمع بين غريبين ليتحدا ويفني كل منهما في الآخر.
الفناء ذلك الفعل المذموم بلغة الأرض، يصبح أجمل نعمة عندما يعانق قلب اشتاق إلي الطيران في عالم العشق الساحر، حينها فقط يعرف أنه لم يوجد من قبل، ولم تسر الدماء في أوردته إلا حين فاض عليه الحب.
الحب الذي يأخذك إلي نهار بعيد تكشف فيه كل ما أخفته الليالي الموجعة الباردة، تفتح صدرك لاستنشاق هواء أطلقته للتو نفس ظلت تبحث عنك حتي التقتك.. فترتمي في أحضانك لتدرك معني الأمان في براح الحبيب.
تغترف من جوعه زاداً، ومن عطشه رشفة لظمأك، فتزداد جوعاً وعطشاً لأنك تريد أقصي الشبع وأقصي الارتواء وأقصي الفناء، وما أجمل الأماني التي تزداد روعة حين تتسع بالطمع فيما هو أكبر وأبعد. فتذهب إلي ما لا يستطيع أحد الوصول إليه.. تصمت لتسمع، أجمل الكلام، تتنهد فيرد عليك قلب بآه تحرق جسدك وكيانك فتذوب معها فرحاً ونشوة..
تهيم في جلال اللحظة التي تشرق علي أيامك فتغيب الدنيا ليولد جنين الحب الشقي ويتجرع مما تسكبه مشيمة قلبك بلا خلاص.
يصرخ مع أول الهواء..
هواء الرياح المعاكسة التي تهتدي بقلوب المحبين إلي طريق النجاة، فلنحب إذن.. أياً كان الحب عاقلاً أم ماجناً حتما سنكتشف السر حتي لو لم تساعدنا اللغة علي إعلانه.



زينب حسن

12/4/2010

الاثنين، 8 مارس 2010

عالم الطباشير


قادتني الصدفة بصحبة ابنتي لرؤية أحد أفلام الكارتون بعنوان «عالم الطباشير» علي إحدي قنوات الأطفال، حيث يخوض طفل صغير مغامرة مشوقة بعد أن اكتشف قطعة طباشير سحرية، استطاع بها أن يرسم عالمه الخاص محاولاً بخياله البرئ الإمساك علي لحظة رفض يقص فيها تشوهات الزمن وعبثه، ويبقي فقط علي الأشياء الجميلة.

أعجبتني الفكرة ورحت معها بعيداً لأمتلك مثله قطعة طباشير سحرية أرسم بها عالمي الخاص.. الأحلام الكثيرة تستعصي أحياناً علي الخيال، لكنني حسمت أمري وقررت الهروب ولو بالطباشير إلي هذا العالم الذي يسكنني، وأصبحت الرسوم هوايتي اليومية.

رأيتني أجري فوق تلك الرمال الفضية التي ينعكس عليه ضوء القمر، فتلامس قدماي مياه البحر المتوسط من خلف جبال الأطلس في الشمال الجزائري، تداعبني لمستها الباردة، لا شيء حولي سوي صوت النسيم متشابكاً مع هدير الأمواج، فأرقص وأقفز لأري عن بعد كيف تشاركني أوراق نخيل العراق الرقص فرحاً.

وفي قفزة أعلي أصعد علي أحد جبال لبنان في الربيع حين تنضج أشجار الآرز.. فأجلس أتأمل روعة صمودها وأختلس النظر لأسمع صمتها الذي يرميني بخفة في ذلك البيت الدمشقي القديم.. أتمدد علي جلسته العربية في الصحن المكشوف، وتنفذ أشعة الشمس بين ثنايا ملامحي، وتعطيني سمرة أحبها أدفء معها الروح التي هاجرت من أرضها إلي أرضها لكي تنعم بالصفاء.

ومن البيت إلي شوارع القاهرة تقذفني خطوط الطباشير الملونة في الليالي الساحرة التي تضيء البيوت الصامتة، أعبر فيها بقلوب الناس الحالمة بالتغيير من رصيف إلي ميدان حافية القدمين، لأنسي ذلك الجسد المكبل بالزمن.. لا أعرف هل أتنقل بالخطوات أم أطير؟

تلمسني الشوارع والبيوت وأحلام الناس فأحملها معي إلي أعلي قمم جبال عمان بالأردن، وألمح من فوقها قبة الصخرة وبيوت القدس وجوامعها وكنائسها ومعابدها.. ها هي قريبة.. كم أتمني أن أخطو فوق ترابها المقدس وأذوب بين حباته بلا عودة.

يا الله.. ما هذا السحر؟.. أسأل نفسي أهو خيال الأحلام أم أنها الأماني العصية التي لا أعرف من فينا يسكن في الآخر.

وهكذا استغرقتني الفكرة حتي اتحدنا سوياً لنرسم ونحلم ونتمني.. عشقاً في الأحلام وذوباناً في الأماني وهياماً في الحب الذي فطرني علي الإيمان بأننا لدينا ما هو أكثر من الخيال لكي نكمل المشوار.

زينب حسن

8/3/2010

الاثنين، 1 مارس 2010

بالصمت علمتنى


ربما لم يحن الوقت بعد لأكتبك كما كتبتني عمراً، لكني في أشد الحاجة لكي أتنفس، أذهب ولو بكلمات قليلة للأحلام التي عشقتك فيها فارساً يصول بصمت حنانه ويجول في قلبي الصغير.

يذهب الكثيرون لنعرف بعدهم كم كنا بحاجة لزمن أطول حتي نقول لهم ما لم تساعدنا الأيام علي ذكره، لكني كنت دوماً أدرك أن دنياي لا تعني شيئاً بدونك..

مثلما كنت تحملني يا أبي، كنت دوماً أحملك عبيراً لأيامي.. سيفاً لمواجعي، حضناً لأماني، يصونني بريق عينيك اللتين لم أحب نفسي إلا فيهما.

لست بحاجة للعودة إلي الوراء، لأنك عصي علي النسيان، فضحكتك الخجولة مازالت قادرة علي أن تلملم أشلائي، ومازلت أتوضأ بصمتك النابض الذي علمني صلاة العصيان علي الانكسار.

مثلما تحملتني يا أبي، احتملت وجعي عليك، حين أشفقت علي من الحزن، وغرست ذراعك من تحت ذراعي لنمشي سوياً في الطرق الضيقة بحثاً عن شفاء لأوجاع جسدك.

طغت روحك علي الألم، فحاولت أن أرتقي لمداها، وما أحسبني قد نجحت، لكني أحاول من أجلك.

يوم غبت عنك استأثرت أنت بالسير في الطريق وحدك، وحينها ودعك محبيك في موكب عرس لم أحضره، وجلست متشبهة بصمتك أستمع إلي تراتيل الأريحية في اللحظات الأخيرة.

حينها فهمت رسالتك.. سوف تعودين لتجديني أفضل..

وها أنا كعهدك بي أكمل المشوار حتي ألتقيك، ذهبت وحدك حتي لا تحملني وجعاً آخر من أوجاع الوداع التي كنت تضمني فيها إلي صدرك، فتطيب نفسي وترضي لا لشيء إلا لأنك معي.

بالأمس أمطرت السماء علي غير عادتها سيولاً وثلجاً تلقفتها بيدي، وردد قلبي دعوة إلي الله لك بالرحمة والمغفرة.. فإذا بك تأتيني حلماً وترفع ثوبك عن يديك، وتقول: انظري ها قد طابت يا حبيبتي الجراح.

من جديد تحملني يا أبي، فطب واهدأ بالاً علي صغيرتك حتي نلتقي..


زينب حسن
1/3/2010

الاثنين، 22 فبراير 2010

رسائل داود وسليمان


فارق كبير بين المعجزة والكارثة، فربما كلاهما فارق للمنطق ومتجاوز لطبيعة الأشياء وفطرتها، لكن الأولي تسعي للمحافظة علي قوانين الطبيعة كما شاء لها الله أن تكون، بينما الأخري لا تعرف في عملها سوي قانون الفوضي. ويبدو أنه قدر لنا أن نعيش في زمن يجمع أكثر من غيره بين حدود الشبه والاختلاف للمعجزة والكارثة، ونتنفس ما بينهما من التضاد والنقائض. ففي نفس الوقت الذي يبعث فيه داود عبدالسيد فيلمه «رسائل البحر» منتصرا الي زمن يحتضر ويرتحل عنا شيئا فشيئا، بأهله الطيبين وشوارعه الدافئة وبحره الهائج بالخير.. يحملنا الوزير المتهم ابراهيم سليمان الي زمن فاجر تنتصر فيه الكارثة بفوضويتها علي المعجزة بنبلها وحيويتها.
> معجزة عبدالسيد أنه مازال يقتات من عمل يديه مؤمنابأن هناك ما يستحق الجهاد مهما قل عدد المؤمنين، بينما كارثة الوزير انه اعتاد أن يعيش علي رقاب الأحياء غير عابيء بما يطيح به سيف نفوذه وجبروته من رءوس يغتالها الفقر والمرض والجهل.

> معجزة عبدالسيد أنه مازال ينشد قصيدته السينمائية علي أنغام الجمال والحب، بينما كارثة الوزير أنه لا يعزف سوي أنشودة النشاز التي تعلمها بين أوركسترا نظام المنتفعين.

> معجزة عبدالسيد أنه يؤمن بأن الخطايا مهما ثقلت يستطيع أصحابها تكفيرها بالتوبة، بينما كارثة الوزير انه لا يعرف للندم سبيلا مهما تكاثرت امام عينيه الخطايا والضحايا.

> معجزة عبدالسيد أنه مريض بالتفاؤل، فرغم المهالك والصعوبات التي تواجه أبطاله، الا انه يرمي لهم قارب نجاة يلتقطون به سمكة الحياة، بينما كارثة الوزير أنه لا يثنيه شيء عن إلقائه لديناميت الجشع والنهب والسطو لتموت كل الاسماك.

> معجزة عبدالسيد أنه يقول ما يصدقه، بينما كارثة الوزير انه لا يعرف سوي لغة الكذب.
> معجزة عبدالسيد انه مازال يتمسك بالحلم، بينما كارثة الوزير ان الكوابيس ستظل تلاحقه صحوا كان أم نائما.

> وأخيرا علينا أن نختار بين التقاط رسائل المعجزة بأن هناك ما سوف يبقي، أو نحمل رسائل الكارثة باستحالة بقائه.

زينب حسن
22/2/2010