الاثنين، 25 يونيو 2007

كن صديقى

سكن أفكارها واكتفى من معبد أنوثتها بجدار وحيد يحفر عليه أحلامه المستحيلة.. ترى.. تسمع.. وتستمتع وتفضحها أحيانا إيماءات المرأة حين يعجب بها الرجل.
تخلو إليه كلما ألم بها حزن أو عاكستها الأيام.. تستوثق بكلماته النفاذة التى تصادق مشاعرها وتفتح لها طريقا للأمل ينجيها من أى سقوط عابر.
شفافة تلك العلاقة التى جمعت بينهما على مدار سنوات، فمنذ لقائهما الأول رسما معا مسار الحكاية.
فى إحدى المرات فى حديث جمعهما وسط الأصدقاء استغل الفرصة ليقول لها همسا: لو كنا تقابلنا من زمن لتغيرت حياتى تماما..
وكما الصمت الذى يسبق الأعاصير انهالت عليه بكلمات قاسية جارحة صادمة اختلقتها لتحول دون شق ذلك الرافد الشعورى الذى صنعته أحاسيس الرجل المتأهب لكسر حصارها..
ألقت سهامها تلو الأخرى وهو مسكون بالصبر كأنه وضع ساترا حديديا على قلبه يحميه جرح الطعنات.. ظل صامتا حتى انتهت ومشت.
مر يوم وآخر حتى جمعتهما الصدفة، وحين همت بالاعتذار والتبرير أوقفها عن الكلام معاتبا نفسه
وقال: هذا ما استحق منك، كنت أعرف أنك ستفعلين ذلك
ودون أن ينتظر سؤالها أجاب: ما فعلته كان فكرة مجنونة من وحى وحدتى التى سمحت لى أن أخلع عنك ثوب الصديقة لتتلبسنى ملامح الأنثى.
واستطرد: صديقتى.. أغفرى لى هواجس الرجل واسمحى لمركبنا الصغير أن يظل مبحرا بين سماء وماء نهرب إليهما معا حين تهون علينا الأيام.
>>>>
على المقهى جلس فى انتظارها.. الجو يزداد برودة، والمطر ينساب فيلامس رزازه وجهه المحتقن، وعيناه تتابع خطواتها البطيئة من بين الأضواء المتداخلة..
تجلس جواره فى لحظة توقف المطر، يحتسيان الشاى الساخن ويتبادلان حديثا قصيرا عن الأحوال، وإذا بصوت عبد الحليم يتهادى عبر الراديو: حبيبتى.. لن أقول.. لن أقول فحرصى عليك كحرص نفسى على الحياة كى تطول.
يبتسمان ويتأهبان لرحلة المشى المعتادة وسط الضوضاء العابرة.. على صمتهما الدفين يكمل المشوار وحيدا.. يشعر برعشة فى جسده ودفء على جبهته، فيقرر أن يشترى برتقالا كما اعتاد أن يفعل حين تنتابه نوبات البرد..
أكثر من ساعة استغرقها فى البحث عن البرتقال دون جدوى، ومع اليأس تسلل إليه التعب والوهن فيقرر أن يذهب إلى البيت وينام، فإذا بها تأتيه فى الحلم وقد حملت سلال كبيرة مملوءة ببرتقال لا يشبه ما يعرفه من فاكهة الأرض، لونه يميل إلى الحمرة وقشرته ملساء ناعمة، وتطل من كل ثمرة وريقات خضراء كأنه حصد للتو..
تمد يدها بواحدة.. يتناولها وبعد أن انتهى استيقظ من غفوته وقد عاودته الصحة وانتعش جسده كأن شيئا لم يكن
قبل أن يغوص فى تأملاته تهادى إلى سمعه من نافذة حجرته صوت ماجدة الرومى تقول: كن صديقى.. كن صديقى إن كل امرأة تحتاج إلى كف صديق..
ابتسم وعاد إلى الفراش هادئا مستكينا

زينب حسن

25/6/2007