الأحد، 17 يوليو 2016

خاطرة





لم أنتبه لشروق الشمس حين كنت أغنى لأسمع صوتى.. كدت أنسى الكلام فى هذه الغرفة المظلمة ذات الجدران الصماء التى لم أعرف بعد كيف دخلتها وقد خلت من الأبواب.. لا يربطنى بالعالم ان كنت فعلا لازلت حية سوى تلك النافذة الصغيرة فى أعلى الجدار 
الحياة تبدو لى على حالها فى دورة تعاقب الليل والنهار.. يخاطبنى ضوء الشمس حين ينعكس خيالى على  الحائط ونظل أنا وظلى نستعيد معا ذكرياتنا.. نضحك نبكى نتشاجر الى حد التشابك  كأننا نخرج ما ترسب فينا من طاقة عنف مكبوتة أخفيناها وراء سنوات طويلة من التحمل واستيعاب الآخرين والضغط على الذات كى نبدو على القدر المطلوب من التهذيب واللياقة ...
 فكم من مرة كنّا نريد تحطيم أشيائنا التى حتى كنّا نحبها.. وهل خلت الأيام من أنفاس حبسناها كى لا ننفجر كبركان محموم بجنون الحياة وشذوذها وعبثها..
بعد كل شجار نسكن الى بعض فى سكينة ونبدو كتوأمين التصقا للتو يتحامل كل منا على وجع الآخر.. نغتسل بالصمت حتى تعاودنا فرصة جديدة للتشفي من الماضى...

الثلاثاء، 26 أغسطس 2014

ما أحلى الذهاب إليك




ماذا حل بتلك الأنامل التى اعتادت أن تكتب لك فى كل مرة؟..
ما سر تلك الرعشة، ولماذا أتصبب عرقا هكذا؟..
من يسارعنى فى البوح؟..
 رفقا أيها القلب ولا تفضح ضعف أناملي أمام فيضان مشاعرك..

حبيبى
أتعرف أننى حاولت اليوم الهروب، وراودتنى نفسى على عدم الكتابة، لكن لا حيلة لى فيك، فما قيمة اليوم الذى يمضى دون أن أقتنص منك تلك اللهفة التى أكون عليها ويسرح فيها خيالى وأنت تطالع فيها كلماتى، وأشفقت عليك مثلما أشفق على نفسى حين أتصور أننى لن ألقاك عبر الرسالة..
 ربما أبالغ بعض الشئ، لكن يكفينى ما أحمله من وجع الأيام التى تباعد بيننا دون أن تتطهر عينى برؤياك، فلتذهب هواجسى إلى الجحيم، ولأبقى حيث أحب أن أكون.. معك دائما.
 ولتذهب الجغرافيا أيضا إلى الجحيم، فقلبى لا يسعه ما فى الكون من أرض وبراح، فأنت خارطتى وفى عينيك ترتسم تضاريس روحى.. فلماذا أضن عليهما ببضع كلمات وفى رضاهما بقائى؟..
ياليتنى أحترق بين شفتيك مثل سيجارتك، أو ترتشفنى على مهل كما تفعل مع كوب شايك، أو أحملك بين ضلوعى حين تجلس أو تقوم، وصدقنى حين أقول أننى أبعث لكل ما ومن حولك شئ من محبتى لك حتى أكون معك، فما أحلى الذهاب إليك.
أرأيت أننى إذا حاولت الهرب فلن أجد غيرك لأهرب إليه، وبماذا تنفعنى المقاومة، وأنت كل دروعى التى أحتمى بها، فكن معى دائما واحمنى منى ومن نفسى ومن أفكارى، وازرع فيهم مقاومتك التى تقوينى على احتمال حبك.
كم أود أن تأتينى فى الأحلام فحين أنام أبدو على النحو الذى أحب أن أكونه كما حدثتنى مرآتى، وأرانى تلك الأنثى الهادئة المسكونة بك، أشتاق للمسة حانية من يديك، أحرق بينهم أشواقى ولهفتى..
 أرانى الآن فى لحظة تدلل وتمنع للأنثى التى تخشى الإفصاح، وها هى يديك تسارع بالتقاطى فى ضغطة مفاجئة من أصابعك، لتحملنى بين أحضانك، فأذيب معك وحشتى وحرمانى..
 فلتشدنى بقوة  واترك على جسدى علامة ترشدنى إلى جنتى التى أسكب فيها نيرانى، وأعدك أن أمنع دورة دمى أن تقترب منها، حتى أعود إليها وأكون دائما لك.

أه.. نسيت أن أعترف لك أنه لا فارق عندى بين الصحو والنوم فأنت حاضر فى كليهما....................



السبت، 5 يوليو 2014

طريق الحج المصرى .. السير إلى الحرم

 

-   عند باب النصر تبدأ مسيرة المحمل الشريف

-   نقطة التقاء حجاج مصر والمغرب العربى وشمال افريقيا

-   امتلأ طريق الحج بالمحطات التجارية لتوفير متطلبات الحجاج

-   شكلت "عجرود" سوقا عربية مشتركة على طريق الحج

-    وفي "نخل"  بطريق سيناء أقيمت سوق للفواكه

-   حماية طريق الحجيج وثيقة الاعتماد لحكام المسلمين فى مختلف العصور

-   استعادة طريق الحج مهدت لصلاح الدين الأيوبي فتح القدس

-   صلاح الدين أوقف لأمير المدينة المنورة أوقافا بالصعيد لتيسير زيارة الحجاج للمسجد النبوي

-   الفاطميون جعلوا للحج عيدا أسموه "عيد الحجاج"

-   السلطان بيبرس أول من أدار محمل الكسوة الشريفة وغسل الكعبة بماء الورد وعلق كسوتها بنفسه

-   شيخ العرب همام أرسل من الصعيد ثلاثمائة جمل ومقدار من المؤن هدية إلى قافلة الحجيج

-   الحجاج المغاربة القادمين من شمال افريقيا يأتون سيرا على الأقدام لمدة ثلاثة أشهر ويعسكرون في (امبابة) الصحراوية على البر الغربى للنيل

 

 

كتبت – زينب حسن

 

قد تتحول الأماكن إلى أطلال لكنها تظل عامرة بذكرياتها، تبتعد عنها الخطوات فتمشى هى إلى سالكيها، تدب عليها الأقدام فتحفر في النفوس دروبها، صمتها كلام وغيمها نور، رمالها ثنثر العبير، وريحها لا تمل من اللعب على أوتار القلوب..

تلك هى طرق الحج التى لم تكن مجرد مسالك عبرت عليها قوافل الحجاج الذين يأتون من كل فج عميق لزيارة بيت الله الحرام، بل هى قصة أمة لوحدتها تجليات  وفي قوتها الكامنة سر بقائها، فقد أسهمت فريضة الحج فى تقارب ثقافات والتقاء أفكار قبل أن تجتمع على أداء الفريضة، وشكلت لشعوب تلك الأمة هوية واحدة تحدت الصعاب وتجاوزت الاختلافات، لتصير أحد الثوابت التى اعتمدت عليها الأمة الاسلامية فى تأكيد وجودها ومصيرها ومستقبلها.

طريق الحج المصرى القديم يمثل هذا التصور على مدار 15 قرنا تتابعت عليه الحكايات منذ الفتح الاسلامى لمصر عبر العصور المختلفة، وشهد أبرز حوادث التاريخ التى كان مسرحا لأهم أحداثها، وحتى الآن رغم تغير معالم الطريق وتحول بعض مساراته، فالذاكرة لا تنسى صورها على حائط الزمن، حيث تتجلى خصوصيتها ومواطن تميزها.

 

نقطة التقاء

تأتى أهمية طريق الحج المصرى القديم كملتقى لمجموعة من الطرق الأخرى لحجاج المغرب العربى والأندلس وغرب إفريقيا برا عبر واحة سيوة ووادى النطرون وكرداسة والجيزة، أو بحرا من خلال السفن التى كانت ترسو فى الإسكندرية، ويتجهون جميعا إلى منطقة بركة الحاج بالقاهرة القديمة، وتحديدا عند باب النصر، حيث يتم تجهيز المحمل الشريف الذى يتحرك سنويا فى شهر شوال، ويخرج الناس للاحتفال  بمسيرة موكب الحجيج، بقيادة أمير الحج الذى يحدد زمن التحرك وأماكن النزول والراحة وإعداد قوة الحراسة وتجهيز المؤن الكافية والمياه وكسوة جمال القافلة.

 وتبدأ الرحلة فى السير حتى عجرود (قرب مدينة السويس) وكانت أشبه بسوق عربية كبيرة لتبادل البضائع القادمة من المغرب العربى وافريقيا، ومنها إلى القلزم (السويس) ثم عيون موسى للتزود بالمياه، حتى "وادى صدر" حيث توجد 3 عيون طبيعية، إلى أن تصل إلى "نخل" بوسط سيناء، ويعقد بها سوق كبير لفواكه المنطقة وأفران الخبز وتنصب بها خيام للمبيت ويوجد بها مسجد وقلعة بنيت فى عصر السلطان بيبرس.

وتستغرق هذه المسيرة حوالى 10 أيام  حتى تصل إلى العقبة وينزلون فى القلعة التى شيدها السلطان الغورى، وبها مخازن للحبوب ومخبز وبئر مياه ومسجد، ومنها يتجه الحجاج للأراضى الحجازية بمحاذاة البحر الأحمر للجنوب من  حقل، ومدين، وينبع، وبدر، ورابغ حتى الوصول إلى مكة المكرمة.

وتبعا لذلك امتلأ طريق الحج بالمحطات التجارية لتوفير متطلبات الحجاج، وكانت هذه الفترة تمثل انتعاشا اقتصاديا وتجاريا للعديد من الصناعات كالأغذية والملابس  فى رحلتى الذهاب والعودة، التى بنفس الأهمية شكلت معلما ثقافيا تبادل فيه المسلمون ثقافاتهم وأفكارهم وشكلت بالتبعية مجموعة من المشتركات التى حفظتها هذه الشعوب حتى الآن.

 

ذاكرة الزمن

تخبرنا المصادر التاريخية أن حماية طرق الحجاج وتيسير أسباب الحج للمسلمين، كان أبرز مهام أى خلافة إسلامية، فالخليفة الفاطمى برر فتحه لمصر ونقل خلافته من المغرب لها عام 358 هـ / 969 م بعجز الخلافة العباسية عن مقاومة الأطماع البيزنطية وانقطاع طريق الحج وتعطله وعدم استطاعة الحجاج أداء الفريضة.

وفى ذلك يذكر المقريزى بكتابه "اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء" أن جوهر الصقلى قال فى أمانه لأهل مصر – وهى من أهم وثائق العصر الفاطمى "لم يكن إخراجه ( أى الخليفة المعز لدين الله الفاطمى) للعساكر المنصورة إلا لما فيه إعزازكم وحمايتكم والجهاد عنكم... وآثر إقامة الحج الذى تعطل، وأهمل العباد فروضه وحقوقه لخوف المستولى عليهم وإذ لا يأمنون على أنفسهم ولا أموالهم، وإذا قد أوقع بهم مرة بعد أخرى فسفكت دماؤهم، وابتزت أموالهم، مع اعتماد ما جرت به عادته من صلاح الطرقات وقطع عبث العابثين فيها، ليتطرق الناس آمنين، ويسيروا مطمئنين".

ولعل في سيطرة الخلافة الفاطمية على إرسال كسوة الكعبة وتولي أمير الحج المصري لحماية الحجيج وطريق الحج وطاعة أمراء الحجاز والخطبة للفاطمين بالحرمين من أعظم مفاخر الفاطميين، حتى أنهم استجدوا لهذ الشأن عيدا عرف بـ"عيد الحجاج".

 

وبعد استعادة نفوذ الخلافة العباسية على طرق الحج وتأمينها فى الشام والعراق ومصر، بدأت مرحلة جديدة فى التعامل مع مسيرات الحجاج، ففى مصر ألغى صلاح الدين الأيوبى الرسوم التى أقرها الفاطميون على الحجاج، بل زاد أن أوقف على أمير المدينة المنورة الأمير جماز وأولاده أوقافا بصعيد مصر، لإنفاقها على الحجاج وتلبية متطلبات زيارتهم للحرم النبوى، وهى أوقاف محفوظة وثائقها بالمحكمة الشرعية وسجلات مصلحة الشهر العقارى  الموجودة فى دار المحفوظات المصرية الوثيقة رقم 668.

وفيما يتعلق بتأمين طريق الحج فمن المعروف أن الأمراء الصليبين أدركوا أهمية الحج فى تحقيق الوحدة الروحية وتوثيق الروابط الاجتماعية والفكرية بين المسلمين، فلجأوا إلى مهاجمة قوافل الحج والتجارة المصرية المارة عبر سيناء فى طريق الحجاج، مما أدى لتعطل تدفق الوافدين من حجاج الأندلس والمغرب، واضطرارهم إلى تغيير مسارهم من الاسكندرية إلى الفسطاط ثم قوص بصعيد مصر، ومنها يسيرون فى صحراء عيذاب، حتى يصلوا إلى ميناء عيذاب على البحر الأحمر، ثم يركبون السفن الصغيرة المعروفة بـ "الجلاب" حتى ميناء جدة. وعن معاناة الحجاج فى هذا الطريق البديل يقول ابن جبير فى (الرحلة): "كان آفة للحجاج عظيمة" وسمى ميناء عيذاب بـ "العذاب"..

وكان قطع الصلييبين لطريق الحج البرى عبر سيناء قد تم لهم بعد استيلائهم على حصن الكرك، مما جعل استرداد هذا الحصن من أهم أولويات صلاح الدين الأيوبى بعد أن استقل بالسلطنة فى مصر عن نور الدين محمود، وكان أول غزوة له ليؤمن طريق الحج البرى بعد انقطاعه، ولقد أوضح عدد من المؤرخين أن موقعة حطين التى كانت إرهاصا لفتح بيت المقدس سببها قطع أرناط صاحب الكرك لطريق الحج والتجارة مما جعل صلاح الدين يهدر دمه.

وبعد فتح القدس حاصر صلاح الدين حصنى الكرك والشوبك عام 583هـ وذلك لقطع الفرنجة طريق الحج واستعصى عليه فتحهما إلى أن استسلمت صاحبة الحصن، كما كانت أول حملة بحرية للأسطول المصرى الأيوبى عام 566هـ لتفتح قلعة أيلة (العقبة) على البحر الأحمر وذلك لتأمين طريق الحج والتجارة أيضا.

يذكر فى هذا الصدد أن حملة أرناط البحرية ومحاولتها الوصول إلى الأراضى الحجازية واختطاف جثمان النبى صلى الله عليه وسلم تأكيد على أهمية حج المسلمين وزيارة قبر المصطفى بالمدينة المنورة، كما أنهم قاموا بمهاجمة قوافل الحجاج وسرقتها وقطع المياه عنهم، لذلك لم يكتف حسام الدين لؤلؤ قائد الأسطول المصرى فى أسر جنود الحملة بل جاء بهم إلى القاهرة يجرون أذيال المهانة والمذلة ليكونوا عبرة لغيرهم من الفرنجة، ثم أرسل بعضهم إلى المدينة المنورة ويصف ابن جبير مشهدهم قائلا: "ذبحوا ذبح الإبل".

من هنا نرى أن طرق الحج اكتسبت أهمية استرايجية لتأمين مكتسبات وفتوحات المسلمين من أيدى الصليبيين، لذلك كان من الطبيعى تأمين هذه الطرق وتنميتها بما يخدم الحجيج وكذلك أمن البلاد وتجارتها بشكل عام، فأنشأ صلاح الدين قلاعا حربية مثل "قلعة الجندى" بوسط سيناء و"قلعة باسمه" بجزيرة فرعون فى طابا. وليس أدل على أهمية تأمين طريق الحجاج ما صرح به العماد الأصفهانى فى كتابه (الفتح القسى فى الفتح القدسى) من أن تأمين طريق الحج إلى مكة كان من أهم دوافع صلاح الدين لفتح بيت المقدس واسترداده من الصليبيين..

 يقول العماد: "أنا استفتحنا سنة 584هـ بقمع أهل التثليث وكنا أشفقنا على طريق الحج، من قصد الفرنج فشغلناهم عن القصد بقصدهم، وتصلينا لجهادهم وبردهم عن المراد وصدهم، وأقمنا بظاهر بصرى مخيمين على سمت الكرك، وقدمنا الطلائع إلى المناهل، ونظمنا سلك إمدادهم فى ذلك المسلك حتى وصل الحاج سالما، وذل الكفر عن قصده راغما.

 


على هامش الطريق

تتواتر الأحداث وتزداد أهمية طرق الحج على أصعدة شتى دينيا وأمنيا واستراتيجيا، لذلك رغم تعاقب عهود الحكم وتبيانها فى إدارة شئون البلاد، لكن ظل المشترك فيما بينها هو الحرص على حماية فريضة الحج وتأمين طرقها كركن أساسى فى حماية قوام الدولة، فلا عجب إذن أن يتهافت الحكام على توطيد مكانتهم وتسجيل أسمائهم فى التاريخ من خلال مآثرهم فيما قدموه لخدمة حجاج بيت الله الحرام.

وقد أجمع الفقهاء المصريون الذين ألفوا كتب الأحكام السلطانية والسياسة الشرعية فى العصر المملوكى أن تأمين طريق الحج من أهم الواجبات الشرعية التى يلتزم بها السلطان المملوكى، فيقول خضر بن أبى بكر فى كتابه (المناقب المعزية) عن أمير الحج: "ينبغى له (أى السلطان) أعزه الله أن يقيم شعار الحج فإنه من أركان الإسلام.. وليؤمر عليه أميرا وهى ولاية سياسية وحراسة، ومن شرطه أن يكون مطاعا ذا رأى وشجاعة وهداية، عارفا بمناسك الحج وأوقاته، وأن يجمع الناس ويرتبهم ويرفق بهم ويحميهم، ويصلح بين المتنازعين فيهم.

ويقول عبد الصمد الصالحى فى كتابه (هدية العبد القاصر إلى الملك الناصر): "وأما إصلاح طريق الحاج فينبغى للملك أن يتعهد ذلك فى كل سنة بعمارة البرك فى الطريق، وتطرق الماء إليها ونزح الطين من الأعين، وتمهيد ما فى الطريق من الوعر، وتسهيل ذلك وتوسيع المضايق وبناء العلائم (أى العلامات الهادية فى الطريق) ويصرف على ذلك من مال الخراج والجزية وما يهديه أهل الحرب إلى الملك".

وكان بعض ملوك البيت الأيوبي يتولون بأنفسهم نيابة عن سلطان مصر منصب إمارة لواء الحج المصري، ومن بعدهم ظل سلاطين المماليك على نفس النهج في إرسال كسوة الكعبة من مصر، وكان السلطان بيبرس بعد نقله لمقر الخلافة العباسية للقاهرة أول من أدار محمل الكسوة الشريفة، وحج بيبرس عام 668 هـ ورتب أموالا سنوية لأميري مكة والمدينة وأوقف لهما أوقافا في مصر، لرفع كافة الضرائب عن الحجاج، وطلب أن يخطب له على المنابر، وبعد أداءه الفريضة غسل الكعبة بيده بماء الورد، وعلق كسوتها بنفسه، ومن  هنا أصبح محمل الحج المصري رمزا للسلطان وحمايته للحرمين الشريفين، وارتبط اسمه بهما، فظل أهم لقب يتفاخر به سلاطين المماليك ويتوارثوه هو "حامي حمى الحرمين الشريفين".

وكالإرث الثمين تولى الحكام العثمانيون مهمة حماية الحج وطرقه، ووضعوا لهذا قواعد كانت تخرج فى شكل فرمانات من الباب العالى، يذكر عبد الرحمن الجبرتى فى كتابه (عجائب الآثار فى التراجم والأخبار) أن أمير الحج يلتزم بتدابير ستمائة جمل وكمية محددة من المؤن الكافية للحجاج، وذلك قبل ثلاثة أو خمسة أشهر من مغادرتهم للأراضى الحجازية، حيث ترسل عن طريق العربان إلى القلاع والمحطات على طريق الحاج، وتكون كل الإمدادات جاهزة قبل شهر من رحيل القوافل، وبالإضافة لذلك يرسل شيخ العرب همام من الصعيد هدية إلى قافلة الحجيج عبارة عن ثلاثمائة جمل ومقدار من المؤن يتسلمها أمير الحاج.

ويضيف: "يتحكم أمير الحج فى قوة مدفعية تتراوح ما بين أربعين وخمسين مدفعا كبيرا، وخمسة عشر مدفعا صغيرا ومائتين من خاصته، وكذلك عدد من السردارية (درجة عسكرية) يعينون تحت قيادتهم عدد من الجنود يصلون إلى المائتين ينضمون لقافلة الحج، هذا بالإضافة إلى مائتى فرد يحضرون إلى مصر من الأناضول والروملى مدفوعين برغبتهم فى خدمة قافلة الحجاج، وينضمون كرماة بنادق، وذلك فى مقابل جنيه ذهب شهريا، وعلى مدى ذهاب القافلة وعودتها التى تستغرق ما يقرب من مائة يوم، يعطى أمير الحج لكل رجلين منهم بغلة أمانة يركبانها بالتناوب، ويحصل كل واحد على نصف أوقة (قياس ميزان) من البقسماط وكمية كافية من الماء.

أما فقراء الحجاج المغاربة القادمين من شمال افريقيا والذين لا يركبون السفن، فيأتون سيرا على الأقدام لمدة ثلاثة أشهر(بسبب تعاليم المذهب المالكى الذى يفرض أن يكون فى الحج مشقة للبدن) يعسكرون عدة أيام فى قرية (امبابة) الصحراوية على البر الغربى للنيل فى مواجهة بولاق، ومعظمهم يحمل بنادق جزائرية طويلة يستخدمونها بنفس مهارة عسكر الأرناؤط (الألبان) وعددهم يزيد على الثلاثمائة رجل، وقد اعتادوا الرحيل من مصر والوصول إلى مكة قبل حجاج مصر بيوم واحد ليكونوا من أوائل  طليعة الحجاج الواصلين لبيت الله، وهم ذو طبيعة حربية ولا يحصلون على أى رواتب أو مساعدات من أمير الحج المصرى.

ويذكر الجبرتى أن طريق الحج كان يشهد أيضا نقل الغلال إلى الحرمين الشريفين، وكانت ضريبة الغلال تجمع من كل قرية وتحمل فى المراكب النيلية وتسلم فى مواعيدها إلى شون الغلال الميرية فى منطقة (مصر عتيقة)، وكل أردب منها يزن مائة وثلاثين أقة، و"الربعة" اسم المكيال الذى يساوى 24 منها أردب واحد، ويبلغ مجموع غلال الحرمين وغلال الميرى ثلاثمائة وستين ألف أردب، يرسل منها أربعة وأربعون ألف أردب للحرمين الشريفين، وأربعة عشر ألفا تخصص لحكام مصر، والباقى يوزع على رجال الدين والعلماء والأئمة والفقراء والتكايا والنساء والأرامل والجنود.

 

حتى لا ننسى

شهدت السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا بطريق الحج المصرى بعد توالى اكتشاف جانب من معالمه الأثرية التى امتزجت بأسماء وشخصيات ووقائع شكلت جزءا هاما فى التاريخ المصرى والاسلامى، ورمت بظلالها على ثقافة المجتمعات العربية والاسلامية وتراث كل منها الذى ارتبط بأداء فريضة الحج، لذلك تجددت الدعوات من الباحثين وعلماء التراث لإحياء هذا الطريق والحفاظ على معالمه.

وقد تضمنت مشروعات تنمية سيناء على مدار الثلاثة عقود الماضية خططا لإحياء طريق الحج الذى مازالت بعد مساراته ممهدة لعبور السيارات وعلى جانبيه معالم لمحطات وقلاع الطريق القديم التى بناها الملوك فى مختلف العهود لتقوم على خدمة الحجيج فى مسيرتهم ذهابا وإيابا، وتشمل هذه الخطط إقامة المتاحف للآثار والأبنية وإقامة محطات تجارية وخدمية وفنادق ومصانع للأغذية والملابس وأسواق لهدايا الحجاج على غرار ما كان يقام أثناء مرور قوافل الحج، بحيث لا تقتصر على المنتجات المصرية فحسب، بل على المنتجات العربية والافريقية وشبه الجزيرة العربية، وهو ما يتيح فرص عمل كبيرة للشباب، فضلا عن البعد الأمنى والاستراتيجى لتلك المنطقة الحدودية الهامة لمصر. كما أن تمهيد الطريق وتنميته على هذا النحو سيسهم إلى حد بعيد فى تيسير أداء الفريضة على الحجاج الذين يتعذر عليهم السفر بحرا أو جوا..

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر فى جريدة النحرير يوليو 2014

الاثنين، 5 مايو 2014

حمدين صباحى :


انتخابات الرئاسة معركة تصفية بين الثورة ودولة مبارك



-                    السيسى لم يكن جزء من الثورة والرهان عليه مقامرة غير محسوبة

-                    هل يمكن أن يحقق مطالب الثورة من كان شريكا فى تنفيذ سياسات مبارك؟

-                    أحترم وأقدر دور السيسى فى 30 يونيو وأدعو الله أن ينجيه من رجال مبارك

-                    الجيش انحاز لإرادة الشعب وآمل أن يظل حاميا للثورة

-                    مصر تحتاج لرئيس ذو عقلية تكونت بالعمل السياسى لا فى أجهزة الأمن

-                    لم يقلقنى عدد التوكيلات التى تقدمت بها حملة السيسى وهى ليست مؤشرا على نتيجة الانتخابات

-                    ثورتنا محكوم عليها بالنصر لكننا نريد اختصار الوقت وتقليل الكلفة

-                    حملتى تغلبت على صعوبات كثيرة فى جمع التوكيلات وتحملت سخافات رجال الحزب الوطنى المؤيدين للسيسى

-                    هناك توجه لإيهام الناس بأن السيسى مرشح الدولة ومن يؤيدون غيره هم فى خطر من أجهزة الأمن

-                    الشريحة الفاسدة من دولة مبارك نزلت فى 30 يونيو انتقاما من ثورة 25 يناير ونحن نزلنا لاستكمالها بإسقاط الإخوان

-                    انتصار الثورة يتحقق حين نتخلص نهائيا من مشروعى مبارك ومرسى

-                    الثورة ماراثون يكسبه الشعب بالنفس الطويل وليست مباراة ملاكمة يحسمها بالضربة القاضية

-                    أنا مرشح الثورة لكنى لا أحتكرها لنفسى

-                    "ترويض النمرة" هو  مشروعى لتطوير الجهاز الإدارى للدولة

-                    نريد دولة خادمة للمجتمع.. لا دولة تسخر المجتمع لخدمتها كما فعل مبارك ومن بعده الإخوان

-                    من أفسدوا سفينة مبارك وأغرقوها هم أنفسهم من يهرولون لركوب سفينة السيسى الآن

-                    قانون التظاهر شرخ حلف 30 يونيو وأول قراراتى تعديله وفقا لملاحظات المجلس القومى لحقوق الإنسان

-                    لا فرق عندى فى حق لقمة العيش وحرية الرأى باتباع سياسة المقايضة بين الخبز والحرية

-                    واحترام الحريات لا يعنى الفوضى فى ممارسة حق الاحتجاج

-                    ما يحدث فى الجامعة تجسيد لغياب دور الدولة والمواجهة الأمنية تعبير عن ضيق أفق السلطة

-                    مواجهة الإرهاب واجب وطنى قائم على حزمة من المواجهات الأمنية والفكرية والثقافية والاجتماعية مجتمعة معا

-                    فى حال فوزى كرئيس للجمهورية لن يكون هناك وجود للإخوان كجماعة والحزب مرهون بأحكام القضاء

-                    محاربة الفقر هو مشروعى الوطنى الذى يقوم عليه برنامجى الانتخابى

-                    "بنك الصعيد" أحد أفكار البرنامج لتمويل خطط التنمية فى محافظات الوجه القبلى خاصة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة

-                    الوحدات الإنتاجية التعاونية فى مشروع "فدان لكل معدم" حل تكاملى لزيادة المساحات المزروعة وخلق مجتمعات عمرانية جديدة

-                    تواصلنا مع بعض الجهات الألمانية وأبدت استعدادها للمساهمة فنيا وماليا فى إنشاء محطات للطاقة الشمسية

-        لا مستقبل لمصر بدون إدراك دورها فى محيطها الإقليمى بما يحمل من مخاطر  وفرص

-                    أقول لياسر برهامى أنا فخور بأنى ناصرى .. ولحسنى مبارك انتهى زمنك.. ولا رسائل لمرتضى منصور



حوار -  زينب حسن
تصوير - عمر أنس



بينما كان هذا اللقاء جاريا مع حمدين صباحى المرشح لرئاسة الجمهورية، كان أعضاء حملته يسابقون الزمن لاستكمال النصاب القانونى لعدد التوكيلات المطلوبة للتقدم بأوراق الترشيح، خاصة فى بعض محافظات الصعيد التى مثلت لصباحى عقبة سابقة فى انتخابات الرئاسة الماضية، ومنعته من الفوز حيث جاء ثالثا فى الترتيب، لكن الغريب هو حالة الطمأنينة التى ظهرت جلية على ملامح وجهه، وعبرت عنها كلماته وثقته الكبيرة فى الفوز هذه المرة، رغم كل ما يقال بأن النتيجة محسومة لصالح منافسه المشير عبدالفتاح السيسى، مؤكدا أن المقارنة بين عدد التوكيلات التى جمعها كليهما ليست مؤشرا على النتائج، وأن يوم التصويت سوف يحمل مفاجآت لا يتوقعها حتى أقرب مؤيديه.

قرار ترشحك للرئاسة أثار جدلا سياسيا يعتبره البعض شق لصف الثورة.. كيف ترى  هذا الأمر؟
قرار ترشحى رغم ما يبدو فيه من صعوبة وحسابات كثيرة وأراء متعددة لحد التناقض، أجدنى بضمير مرتاح ونفس مطمئنة انتصرت فيه لحق الناس الذى أكرمنى الله بحبهم والشعور بوجعهم لأحلم معهم وأسعى بهم ولهم لتخفيف الوجع وتحقيق الأحلام. ويبدو لى الأمر بسيط استجبت فيه للشباب الذين طالبونى بالترشح إيمانا منهم بحق شعب قام بثورتين بأن يكون لفقرائه صوتا وبرنامجا يحقق طموحاتهم.
فالشعب المصرى كان سخيا فى تقديم التضحية من أجل أحلامه فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، ولكن أحلامه لم تتحقق على الأرض ولم يجنى ثمرة تضحياته بعد أن أسقط حاكمين فى أقل من ثلاث سنوات، فالثورة ليست لحظة تنتهى فى حينها لكنها صيرورة ومباراة تكسب بالنقاط وليس بالضربة القاضية، كسبنا فيها جولة بإسقاط مبارك وجولة أخرى بإسقاط مرسى، لكن الشعور  العام بالإحباط من كثرة الجهد  دون كسب نقاط تمكنه من كسب البطولة، هو ما دفعنى لخوض معركة الرئاسة، كجولة جديدة لنثبت فيها أن الثورة مستمرة حتى تحكم وتحقق أهدافها.
وإذا كان البعض يظن أن المعركة محسومة، فربما تكون ذلك على الجانب الآخر، ولكن يعتمد هذا على إيجابية الناس وخروجهم يوم التصويت، بدافع إحساسهم بالغيرة على الثورة ورد الجميل لشهدائها ومصابيها ومن قدموا تضحيات من أجلها، وإذا لم يتحقق الفوز بالحكم فالرهان على أن يكونوا رقم صعب وله مهابة نثبت به وزن الثوار ورسالة لأى حاكم أن هناك معارضة قوية عليه أن يأخذها فى حساباته، وهذا هو السبيل الديمقراطى الذى يجب أن نحافظ عليه، ولا ينبغى التفريط فيه مهما كانت الصعاب.
هذه الثورة محكوم عليها بالنصر لكننا نريد اختصار الوقت وتقليل الكلفة.



فى ظل هذا الوضع ألا ترى أن ترشحك مقامرة تراهن فيها بمشوارك السياسى الطويل؟
  مشوارى هذا ليس له قيمة إذا لم يكن طرفا فى معارك مصر، فأنا كافحت طوال حياتى ليس لتخزين رصيد من النضال ولكن ليكون تحت أمر الشعب الذى آمنت به وبحقوقه ومطالبه العادلة، وعندما طالبنى الشباب بالترشح حتى ولو خسرت ليكون لنا صوت وإلا ننكسر وهم محقون فى ذلك، وتاريخى الذى أحسبه هو حب الناس وثقتهم..
وبحساب المقامرة فإن تاريخى كله بنى على اختيارات رآها الكثيرون مقامرة، بداية من الوقوف أمام السادات ومهاجمة سياساته، ومواقفى من نظام مبارك ومعارضة التوريث والتمديد والفساد، والدعوة لثورة يناير و30 يونيو كانت فى رأى البعض مقامرة، لكنها بالنسبة لى وفاء بحق المحبة للناس الذين وثقوا بى، الوفاء هو اختيار ما يراه الناس وأحسبه أنا بالاعتماد على الله ورهان على الناس، ومشاركتى فى الانتخابات بهذا المعنى هى واجب أخلاقى ووطنى وثورى.

ألم يقلقك عدد التوكيلات الذى تقدمت به حملة المشير للجنة الانتخابات؟
 بدون تردد: لا على الإطلاق

ألا يعد مؤشرا على توجه الناس فى الشارع؟
بغض النظر عن أن العدد الذى تقدمت به حملة المشير السيسى يختلف تماما عما أعلنوه سابقا، إلا أن ذلك لا يشغلنى تماما، وكل ما أهتم به هو جمع التوكيلات الخاصة بى لا ستكمال النصاب القانونى.
وأرى أن جمع التوكيلات لا يعد مؤشرا لاتجاهات التصويت، ففى الانتخابات السابقة استكملت بصعوبة الألف توكيل فى القاهرة وجاءت النتيجة بأن أحصد المركز الأول متفوقا على مرشحى الإعادة، وكذلك فى بورسعيد لم أستطع استكمال النصاب، وجئت فيها أيضا فى المركز الأول.
هذا العام الأمر أكثر دلالة فى شيوع لمناخ من الظواهر السيئة التى تعيق حرية تحرير التوكيلات لأن من يذهب لعمل التوكيل إما شاب ثورى يؤمن بالثورة ويدافع عن اختياره، أو رجل بسيط عندما يذهب لعمل التوكيل يقول له بعض الموظفين أن من يؤيدون حمدين صباحى بياناتهم سوف ترسل لأمن الدولة، وقد أبلغنى بذلك أحد المواطنين من أبو قرقاص، حيث كان ذاهبا مع مجموعة من الناس للشهر العقارى، وقام أحد عناصر المباحث الجنائية بالإطلاع على بطاقته وسجل بياناتها، فخاف من معه وتراجعوا.

وكيف تضمن نزاهة العملية الانتخابية فى هذه الأجواء؟
هناك توجه لإيهام الناس بأن هناك مرشح تدعمه الدولة وهو المشير عبدالفتاح السيسى وأن من يعطى صوته لحمدين صباحى يصبح معرضا للخطر وضد إرادة الدولة، وهذا مناخ لا يسمح بانتخابات نزيهة، وهو وضع تعودت عليه، فلم أخض انتخابات من قبل سواء فى مجلس الشعب أو نقابة الصحفيين أو الرئاسة وفى جميعها كنت ضد إرادة السلطة الحاكمة، وربنا نصرنى فيها.
من يقوم بعمل توكيل هو بطل حقيقى لأنه تحمل مشقة معنوية كبيرة واجه بها سخافات بعض أنصار السيسى والحزب الوطنى الذين  يساندوه، ولم يعبأ بما قد يلحق به من أذى. فهؤلاء ناسنا الطيبين الذين قرروا مساندتى والتوكيلات ليست هى التعبير الحقيقى عنهم، فأنا أثق أن يوم التصويت سيكشف عن الحجم الحقيقى لهم، وأتوقع أن يكون ذلك مفاجأة لكل من يظنون أن نتيجة الانتخابات محسومة.



كيف هى خريطة التوكيلات التى جمعتها حملتك الانتخابية؟
اكتملت التوكيلات فى القاهرة والاسكندرية والجيزة ومعظم محافظات الدلتا، وفى الصعيد بدأنا بأسيوط ونجحنا فى أيام قليلة إنهاء العدد المطلوب، وجاءت بنى سويف والفيوم وقنا وسوهاج والمنيا كآخر المحافظات التى اكتمل فيها النصاب القانونى.

لازالت الصعيد تمثل بالنسبة لك مشكلة؟
صحيح، ففى الانتخابات السابقة كنت الأول ومرسى الرابع بدون محافظات الصعيد، التى قلبت ميزان النتائج على النحو الذى جرى، نحن نحتاج إلى جهد فى التواصل مع هذه المنطقة العزيزة من أهل مصر التى تم تجاهلها لعقود، وأنا أدخل هذه الانتخابات لست معتمدا على قوة الحشد أو وفرة التمويل، لكننى أثق أن الناس تختار وفق صوابهم الذى يهديهم إليه الله، فالمشهد كان سيبدو مسيرا تجاه اختيار وحيد، وسعادتى أن المصريين أخيرا لديهم فرصة الاختيار وفق آليات ديمقراطية وهذه أهم منجزات ثورة 25 يناير التى يجب أن نتمسك بها ونحافظ عليها مهما واجهنا من صعاب.

فى اتهامك لرجال الحزب الوطنى بإعاقة حملتك يبدو السؤال ملحا حول مدى مسئوليتكم بأن بعض من وقفتم معهم فى 30 يونيو كانوا ضد 25 يناير وتحديدا من رجال دولة مبارك؟
الذين نزلوا فى 30 يونيو هم من نزلوا فى 25 يناير بدون الإخوان الذين لحقوا بالثورة ولم يكونوا ضمنها فى البداية ومعهم بعض المتحالفين معهم، وأضيف إليهم ما أسميه "الشريحة الفاسدة من نظام مبارك"، وهم نزلوا انتقاما من 25 يناير، ونحن نزلنا لاستكمال أهداف الثورة بإسقاط نظام الإخوان الذين لم يكونوا معبرين عن الثورة وأهدافها، هذه المجموعات من دولة مبارك لم يجهروا بموقفهم إلا بعد أن ظنوا أن الساحة خلت لهم بعد إبعاد الإخوان.
كان وجودهم فى 30 يونيو أشبه بـ "المؤلفة قلوبهم" الذين لا يؤمنون بالثورة ولا أهدافها، وكنا نعلم ذلك لكن لم يكن هناك معنى للاشتباك معهم أمام هدف إسقاط نظام الإخوان المستبد، لكن حان أوان التصفية وانتخابات الرئاسة تأتى ضمن هذه المعركة، فأنا بالنسبة لهم خصم سياسى وهم لديهم نفوذ مالى وعلاقات اجتماعية متراكمة ويحاولون بالفعل بمنتهى النهم استعادة ما فقدوه أو الحفاظ على ما هو مهدد من مصالحهم، لكن هم لا يدركون أن هناك شعب صنع الثورتين، لسنا نحن أو هم، ولا يريد العودة إلا ما قبل ذلك.

ولكن يبدو أن هذا التوجه أصبح مشروع سياسى يعتمد على المتاجرة بهموم الناس الذين يريدون الاستقرار والسعى وراء لقمة العيش ويتم التخديم عليه بآلة إعلامية جبارة.. فكيف يمكن مواجهته؟
نحن نخوض معركة انتخابية هى جزء فى مسيرة الثورة التى خرج الناس لها فى الميادين للمطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، دولة تمكن المواطن وتحمى الحريات دولة عادلة، الشعب فيها السيد بمعنى الكلمة، دولة لها استقلال وطنى وتلعب دور محورى فى محيطها وهذا قدر مصر، وهذه الدولة تليق بالثورة وبدم شهداؤها، وتسعى لذلك بالمظاهرات أحيانا وبالمسار الديمقراطى أحيانا أخرى، لذلك نريد تعميق فكرة تداول السلطة، دون كلفة دم، والمشاركة هى التى تضمن كل ذلك.
رجال مبارك بالطبع يريدون استعادة دولتهم ونظامهم، والذين يريدون تحقيق مشروع تمكينهم بأن تكون جماعتهم فوق الدولة، الشعب المصرى رفضهما، وسيظل الصراع قائم هناك ليس فى هذه الانتخابات فقط ولكن فى انتخابات البرلمان والمحليات أيضا.
الثورة ليست مباراة ملاكمة يمكن كسبها بالضربة القاضية، لكنها أشبه    بماراثون تتابع، كل منا يسلم فيه الراية لاستكمال الجرى، والذى سينتصر هو الأطول نفسا، وعلينا ألا نغتر بكسب مرحلة أو نيأس بخسارة أخرى علينا أن نكمل بروح مثابرة.



ولكن تبقى المعادلة صعبة فهذا الصراع مع دولة مبارك ربما يكون ورقة نجاة لجماعة الإخوان التى من مصلحتها تأجيجه لإيهام الناس بالخطر؟
 إذا انتصرت الثورة فهذا يعنى هزيمة مشروعى مبارك ومرسى معا، لأنهما مرتبطان بمشيمة واحدة تغذى كل منهما، فهما الاثنان ضد الثورة وضد أحلام الناس الغلابة، فرجوع دولة مبارك يسمح بوجود الإخوان واستعادة ظهيرهم الشعبى من الذين يتعاطفون معهم، لكن نجاح الثورة سيقضى على دولة الفساد التى يمثلها مبارك ودولة الاستبداد باسم الدين التى يمثلها مرسى. وينتهى الفقر والحاجة ويعيش المواطن فى أمان ودون مهانة وبعيش كريم.

ولماذا لا ترى كالعديد من مؤيديك السابقين أن السيسى قادر على تحقيق أهداف الثورة بعد  موقفه من الإخوان فى 3 يوليو؟
 لقد احترمت اختيارهم ولكن أعتقد أنهم يخوضون مقامرة حقيقية حين راهنوا بمصير ثورة عظيمة بكل تضحياتها وأحلامها وطموحاتها وبرنامجها الطموح على رجل لم يكن فى قلب هذه الثورة ولم يدعو لها أو جزء من القوى التى صنعتها، الملايين خرجت ضد الفساد والفقر والمهانة والاستبداد، الجيش المصرى انحاز لهم وهو موقف يحسب للقوات المسلحة ودورها الوطنى المحترم، ولكن هل يعقل أن نراهن على واحد كان جزء من هذا النظام وسياساته الفاسدة التى خرج الناس ضدها ونطالبه بتحقيق مطالبهم، هذا هو الخطأ بعينه،  وهذا هو السبب الذى جعلنى أرشح نفسى للانتخابات، فالرهان يجب أن يكون على الثورة ومن ناضلوا من أجلها.

هل أفهم من ذلك أنك تعتبر نفسك مرشح الثورة ؟
نعم أعتبر نفسى مرشح الثورة ولكنى لا أحتكرها لنفسى، كما أرفض بالقياس احتكار أى أحد للوطنية أو الدين، فهذا أسلوب لتضليل الناس وخطاب للكراهية لا يسمح ببناء الأوطان، ومن يدعون أن السيسى هو رمز الدولة وحامى الثورة، بينما يشنون ضدى حملة تشويه وتشكيك فى وطنيتى ويدعون عدم انتمائى للثورة عليهم مراجعة أنفسهم.

وإذا فزت بمنصب الرئيس ألا تخشى من وقوف الدولة العميقة ضدك كما جرى الأمر مع مرسى وكان أحد أهم أسباب سقوطه؟
مرسى جاء ولديه مشروع لجماعته على حساب الدولة وطرحت نفسها بديلا، وكل ما اكتسبته من دعم شعبى ونفوذ سياسى جاء نتيجة غياب الدولة عن أداء دورها، واحتلوا مساحات فى الفضاء الاجتماعى والثقافى بالمدرسة والمركز الطبى منخفض التكاليف وزجاجة الزيت وكيس السكر، وهى أدوار لم تكن تتحقق لهم لو كان هناك دولة جادة توفر لمواطنيها حقوق التعليم والصحة والسكن والرزق العادل الكريم، ومع تراجع الدولة زحفت القوى التى تمتلك التمويل كبديل، فضلا عن غطائها الدينى التى أوهمت به الناس وكسبت به تعاطفهم، فالإخوان نجحوا فى ظل الدولة الرخوة الفاشلة الفاسدة غير العادلة، وللأسف أن هذه الأوصاف لازالت مقرونة بالدولة المصرية منذ عقود وحتى الآن.
أما أنا من مدرسة مختلفة تنتصر للدولة الوطنية المصرية التى تكون على قدر الشعب، الذى قام بمعجزتين فى 25 يناير و 30 يونيو، فهو يستحق دولة عادلة متطورة قادرة على تلبية احتياجاته بتحقيق العدل الاجتماعى من خلال تطوير النظام الصحى والاهتمام بالتعليم والسكن والخدمات، بحيث تكون دولة خادمة للمجتمع ولا تسخر المجتمع لخدمة أغراضها، وهى مفاهيم نريد أن نؤكد عليها من خلال هذه الانتخابات، التى اخترت المشاركة فيها للوصول إلى هذه القيم وليس لأن لدى مشروع بديل يحل محلها. أنا أؤمن أن الدولة يجب أن تستعيد قوتها ودورها.

وما هى أدواتك لتحقيق ذلك؟
 أولا وضوح هذه الأهداف أداة فى حد ذاتها، ثم تشخيص جاد للمشكلات وعزم حقيقى لحلها وتصحيح الأمراض التى تعانيها مصر وتغييرها من دولة ظالمة فاشلة إلى دولة عادلة ناجحة، بقيم العدل والكفاءة والمساواة، وهو ما يعنى وضع مشروع لتفكيك الفساد بحزمة تشريعية تخلق مناخ عمل جيد، والتشريعات ممارسة، لذلك فمطلب دولة خالية من الفساد يستلزم وجود رجل على رأس هذه الدولة محصن ضد الفساد لأن من حوله سيكونون على شاكلته.
ولكن عندما نرى ناس ممن أوصلوا مصر إلى هذه الحالة الفاشلة ويهرولون إلى ركوب سفينة السيسى، وهم أنفسهم من كانوا على متن سفينة مبارك، ويطرحوا أنفسهم فى محاولة لاستعادة أدوارهم على نفس قماشة الدولة البالية نتأكد أنهم ولاشك سيغرقون السفينة بمن فيها كما فعلوا من قبل، وتأتى هنا أهمية مواجهتهم عبر هذه الانتخابات وما بعدها من استحقاقات.



قانون القوات المسلحة يسمح باستدعاء القادة السابقين والمتقاعدين.. فهل يمكن إذا أصبحت رئيسا أن تستدعى المشير عبدالفتاح السيسى وزيرا للدفاع مرة أخرى؟
لا .. أعتقد أن منصب وزير الدفاع يتم وفق قواعد دستورية والمشير السيسى لعب دور فى 30 يونيو أحترمه وأقدره ومن حقه أن يكون مطمئنا على مكانته وقدره وأمنه فى حال جئت رئيس، أما عن دور سياسى يقوم به حينها فهذا أمر سابق لأوانه.

وكيف ستتعامل مع القوات المسلحة؟
الجيش المصرى جزء جوهرى وأصيل فى بناء الدولة المصرية، ولدى إرادة واضحة على أن يؤمن للجيش كل الإمكانيات العسكرية والقتالية ليكون جيش صاحب مهابة وقوة بين جيوش العالم ويقوم بدوره الدستورى فى حماية أمن البلاد ضد الأخطار الخارجية واستمراره دوره الحيوى فى محاربة الإرهاب المنظم ضد مصر، وسأحرص على جمع التأييد الشعبى لهذه المكانة، وجزء من ضمانات هذا الإجماع الشعبى أن يكون حاميا وحارسا لا حاكما أو مشاركا فى الحياة السياسية.

كل برامج المرشحين تطرح أفكارا ومشروعات للتطوير والتنمية.. فما هى المنهجية التى يعتمد عليها برنامجك الرئاسى لتصبح هذه الأفكار واقعا يلمسه الناس؟
البرنامج يقدم حلول متعددة للكثير من المشكلات، اعتمادا على التغيير الجذرى للجهاز الإدارى للدولة بمعايير الكفاءة والمحاسبة لمن ينفذون خطوات البرنامج من البرلمان والمحليات والمجتمع المدنى والإعلام، وهذا يحتاج تشريعات تسمح بخلق بيئة صالحة للعمل.
ما أمتلكه وأطرحه على الشعب هو برنامج لتطوير الدولة وبناء مصر الحديثة، وهذا أبنيه معتمدا على الجهاز الإدارى للدولة، ولا يمكن فرضه على 7 ملايين موظف يجب أن يكونوا شركاء فى المسئولية، أثق أن أغلبهم واعين مخلصين وغيورين على مكانة مصر وريادتها ويعانون من الترهل الإدارى وتدنى الكفاءة وانعدام الشفافية والمحاسبة، وأنا لدى مشروع لتغيير ذلك بهؤلاء وليس على حسابهم، وبرنامجى يتضمن خطوات علمية لتحقيق تطوير الجهاز الإدارى أسميه "ترويض النمرة"، فهو أشبه بنمرة شرسة لديها خوف تحتاج لرجل تأمن له ولا يهدد مصالحها، وفى المقابل لا يمكن الحفاظ على مصالحهم على حساب الناس، برفع الكفاءة والشفافية.

أريد  توضيح عبر مثال عملى لما يتضمنه البرنامج فى هذا الأمر؟
أضرب لك مثال عن نظام الترقيات فى الوظائف الحكومية  والذى يعتمد على الأقدمية وليس بمعايير الكفاءة لمتطلبات المناصب، وهذا بالطبع يعطل آلة العمل فى جهاز الدولة ولا يسمح له بالتطور أو الإبداع، ولا يمكن تغيير ذلك إلا عبر معايير دقيقة تقوم على تكافؤ الفرص وليس المجاملات أو الأقدمية، وبالتالى يضع البرنامج آلية وضع معايير للمناصب القيادية ونظام الترقيات عبر لجان علمية متخصصة، يقوم على عنصر الكفاءة فقط وليس بالموالين للرئيس ومن حوله.
فى هذا السياق تأتى أهمية وجود رئيس قادر على إحداث التوافق عبر الحوار والنقاش للوصول إلى قرار يخدم مصلحة الدولة ويحافظ فى المقابل أيضا على مصالح مواطنيها، وهذه الذهنية تتوفر بالتأكيد لمن تربى فى العمل بمؤسسات المجتمع المدنى من أحزاب وهيئات وبرلمان ومحليات وله تراكم فى التواصل مع فئات المجتمع ويعى متطلبات الناس من فلاحين وعمال ومستثمرين، وهو ما يمكن أن نصفه بأنه العقلية التى تربت فى العمل السياسى وليس فى أجهزة الأمن.

وما هى حزمة التشريعات التى تهيئ البيئة الصالحة للعمل واتخاذ القرار السليم؟
تبدأ هذه الحزمة بضرورة تطبيق قانون الضريبة التصاعدية، وتوسيع قاعدة دافعى الضريبة، وحوافز جادة للاستثمار، ويجب الحوار مع دافعى الضرائب من الشرائح العالية لشرح أهمية الضريبة لاقتصاد البلد، وفى ذات الوقت يتم تأمين مناخ صالح للاستثمار، وذلك من خلال إعفائه من فاتورة الفساد التى كان يدفعها فى مقابل تسيير عمله، وإقناعه بأن ما يدفعه يصب فى مصلحته كبند التعليم على سبيل المثال الذى يسهم فى تخريج عناصر مؤهلة تنفعه فى مشروعاته، أى إحداث توازن بين منفعة الدولة ومصلحة المستثمر، ويأتى فى سياق ذلك تجنب إدارة رأسمالية المحاسيب كما كانت تدار فى دولة مبارك وأحمد عز، باحتكار صناعات بعينها وحرمان كل من يتطلع للدخول فيها، بل عقابه على محاولته. ولذك فأحد أهم أهداف البرنامج تحقيق التنافسية والقضاء على الاحتكار.

ولكن الاقتصاد المصرى بجملته يقوم على هذا المسار وبالطبع سيتضرر رجال أعمال جراء ذلك التوجه فكيف ستتعامل معهم؟
بالطبع سيكون هناك متضررون وهم قلة من الحيتان المحتكرون، لكن أمامهم سوف يستفيد مئات من رجال الأعمال الذين يريدون تحقيق تنافسية حقيقية ويعانون من دفع فواتير الفساد وعدم السماح لهم بتوسيع أنشطة استثمارهم، وتوقف ضخ استثمارات جديدة فى قطاعات مهمة تسمح بوجود اقتصاد متنوع الإنتاج والموارد..
وأؤكد من جديد أن كل ذلك يمكن تحقيقه بإدارة حوار مع الشركاء والأطراف االمنتخبة فى كل القطاعات من برلمان ومؤسسات وشركات وممثلين للعمال وأصحاب العمل فنحن نحتاج لإرادة واضحة بحوار جاد.



ما هى القرارات الأولى التى تنوى اتخاذها فى حال فوزك بالرئاسة؟
 أولها قرار جمهورى بإلغاء قانون التظاهر والعفو عن كل من سجنوا على أساسه، وعمل قانون جديد به كل الملاحظات التى قدمها المجلس القومى لحقوق الإنسان، فأنا أعتقد أن هذا القانون هو من قسم حلف 30 يوليو وأدخل أبناء الثورة فى السجون، بينما لم يطبق على مظاهرات الإخوان غير السلمية.

ولكن ألا ترى أن هناك إشكالية فى ذلك بين إصلاح بنية الوضع السياسى وهموم الناس التى تريد استقرار الأحوال وتحسين ظروف معيشتها؟
أنا لا أفرق بين حق لقمة العيش وحرية الرأى، وأرفض تماما اتباع سياسة المقايضة الكلاسيكية بين الخبز والحرية، الذي يليق بالمصريين هو العيش المرتبط بالحرية، كما هتفوا فى ثورتهم واستشهد أبنائهم من أجله، وأى واحدة منهما بدون الأخرى ستفشل، والاثنان بدون استقلال وطنى لن يتحققا، وهذا هو المثلث الذى أبنى عليه برنامجى، لقد جرت فى النهر مياه كثيرة ولم يعد المواطن المصرى يقبل أن يتحصل على قوته بإهانة كرامته، وفى نفس الوقت غير مسموح بفوضى التظاهر والاحتجاج على حساب الغلابة والفقراء من أغلبية الشعب، نحن نريد عدل اجتماعى مبنى على احترام الحريات.
ولا أعنى بإلغاء قانون التظاهر توقف عجلة الإنتاج، فلا يليق أن يكون بالسجون أى صاحب رأى طالما كان سلميا، وهذا هو المعنى السليم والمستقيم لدولة القانون التى تمسك بسيف القانون وتطبقه ضد كل من يحرض على العنف أو يتعد على مؤسسات الدولة ويعرض حياة الناس للخطر والفوضى، وفى المقابل تؤمن وتحمى حرية التعبير طالما احترم هذه القواعد والتزم بها. فقانون التظاهر مهمته تنظيم ممارسة الاحتجاج وليس منعه.

فى هذا الإطار كيف ترى أزمة مظاهرات الجامعات؟
الأزمة بدأت مع مجموعة صغيرة من شباب الإخوان بناء على موقفهم السياسى بعد إسقاط مرسى، وقد رفضهم الشعب وحاصرهم بالعزوف وعدم التعاطف معهم، وانحصرت أعدادهم بصورة ملحوظة، لكن التعامل الأمنى الفج معهم أسقط ضحايا لم يكن لهم علاقة بالإخوان من الطلبة، وهو ما أشعل غضب زملاؤهم، وهو أمر أعيه تماما حين كنت بالجامعة، وكيف كنا نحتج على أى تعد تجاه زملائنا مهما اختلفت توجهاتنا وأفكارنا.
ما يحدث هو تعامل ضيق الأفق وليس حله بالمواجهة الأمنية، ولكن الحل بالحوار واحترام طريقتهم فى التعبير، وحقن دمائهم.

إذا أصبحت رئيسا للجمهورية ما هى الخطوات التى تأخذها لحل الأزمة؟
أولى هذه الخطوات هو التحاور مع الطلبة مباشرة لزرع الثقة فى نفوسهم وتعظيم شعورهم بأن الدولة ليست فى حالة عداء معهم، فالطلبة غاضبون لأن لديهم إحساس أن ما يحدث هو حرب على الرأى وليس حرب على الإرهاب. ومهمة الرئيس والدولة كلها هى استيعاب هؤلاء الطلبة وتفهم وجهات نظرهم.
ففى غياب السياسة المخيف والحضور الأمنى المخيف تستنهض طاقات غضب أكبر ومخيفة أيضا، ومن ثم تزيد الخسائر للطلبة وللشرطة وللمجتمع كله.

ولكن ماذا عن دور الإخوان ومحاولاتهم المستمرة لإشعال الموقف؟
الإخوان يجدون المناخ المناسب لتأجيج الموقف فى ظل غياب الدولة العادلة، لقد انتهى مشروعهم وكشفهم الشعب ورفضهم، لكن إدارة الدولة لأزمات المجتمع تسمح لهم باكتساب التعاطف، ليس من حسن ما يفعلوه ولكن من سوء أداء المواجهة معهم، الإخوان ليس لهم مستقبل قائم على كفاءتهم، ولكن من أخطاء تعامل النظام الحاكم معهم، وهو ما يحدث بالفعل فى الجامعة وغيرها، فإذا اختارت الدولة قمع معارضيها سيثورون ضدها ويقفون فى نفس المربع مع الإخوان ليس من باب الدفاع عنهم ولكن على أرضية معارضة الدولة القمعية المستبدة.
الاستبداد والقمع والمواجهة الأمنية المفرطة هى أعظم هدية يقدمها نظام الدولة للإخوان. هل هناك شريعة أو خلق أو قانون تستحل الدم  سواء إخوانى أم لا كما تم مع طالب كلية دار العلوم ومن قبله طالب الهندسة والمصابين من الصحفيين. التمييز بسبب الرأى السياسى جريمة لا تقل عن التمييز وفقا للدين أو الجنس أو اللون، نحن نريد دولة القانون، وذلك لن يتم إلا بعدالة انتقالية تقيم محاكمات حقيقية وناجزة لكل من استباح إراقة دم المصريين وروع أمنهم، وتفتح فى المقابل بابا للتصالح والتسامح مع من لم تتلوث يده بالدماء، والتوقف عن خطاب الكراهية والعنف غير المبرر.
إن مواجهة الإرهاب واجب وطنى قائم على حزمة من المواجهات الأمنية والفكرية والثقافية والاجتماعية مجتمعة معا.  وفى حال فوزى كرئيس للجمهورية لن يكون هناك وجود للإخوان كجماعة والحزب مرهون بأحكام القضاء، أما أفرادهم والمنتمين لأفكارهم لهم كل الحقوق كمواطنين طالما التزموا بالقانون، دون تمييز أو إقصاء أو اجتثاث ولا حرب كراهية كما نراه فى الإعلام، وهذا من شأنه غلق هذا الملف لتحقيق الاستقرار الذى نرجوه.



أنت من مدرسة المشروع القومى، فمشروع عبدالناصر قام على الاستقلال الوطنى، وفى ماليزيا كان مشروع مهاتير محمد التعليم.. فما هو مشروعك الذى تبنى عليه برنامجك الرئاسى؟
محاربة الفقر هى قضيتى الأولى ومشروعى الذى يقوم عليه برنامجى الانتخابى، والانتصار عليه بتنمية حقيقية تعتمد على نهوض صناعى ضخم يحقق اقتصاد قوى، اعتمادا على الصناعات المتوسطة والصغيرة تتيح فرصة لاستيعاب طاقات الشباب كنقطة بداية لإنقاذ الاقتصاد، ويوجد بالبرنامج خطة كاملة لذلك بدءا من تحديد القطاعات التى يجب العمل فيها مرورا برفع كفاءة العامل وانتهاء بتوفير مصادر التمويل، على سبيل المثال لدينا مشروع لإنشاء "بنك الصعيد" مهمته تمويل كل ما تحتاجه منطقة الصعيد من خريطة الصناعات المتوسطة والصغيرة بمعايير ربحية يضمن استمرارها. ولدينا طموح بإنشاء مجلس أعلى لهذه المشروعات التى تسهم فى حل مشكلة البطالة، وقامت عليها تجارب الدول الصناعية الناهضة.
لدينا فى هذا الإطار مشروع "فدان لكل معدم" وهى مساحة كافية، لأننا سنعتبر كل ألف فدان وحدة إنتاجية تعاونية واحدة، ويقدم لكل فرد عشرة آلاف جنيه دعم من الدولة كقرض حسن، وهذه الوحدة يخطط لها طريقة إدارة من أصحابها واختيار ما يصلح من الزراعات وتقديم الإرشاد الزراعى بأساليب حديثة بالتعاون مع الدولة التى عليها شراء منتجات هذه الأراضى ومحاصيلها وتسويقها، ومن أرباحها يتم تسديد القروض. ومع قيام صناعات قائمة ومجتمعات سكانية على خلفية هذه الوحدات الإنتاجية التى ستعمم فى عدة مناطق من الجمهورية وفق تخطيط إدارى جديد وهذا موجود فى البرنامج أيضا، وسيتم الاعتماد على وحدات للطاقة الشمسية الكثيفة على قدر ما يوجد من المياه الجوفية والمعادن التى نقدم لها تصورا كاملا فنيا وتمويليا لإنشاء محطات لها فى مصر، وقد خاطبنا بعض الجهات الأوربية التى لها خبرات فى ذلك ومنها مؤسسات ألمانية لديها استعداد للمساهمة والتعاون فى ذلك.
وتصورى أن الشمس ستعطى لمصر ما قدمه البترول للخليج.


هذا الطموح الكبير فى البرنامج لتحقيق التنمية والاستقرار الداخلى لديه جانب آخر لا يقل أهمية وهو الوضع الإقليمى والدولى .. فما هى توجهاتك فى هذا الشأن؟
لا مستقبل لمصر بدون إدراك دورها فى محيطها الإقليمى الذى بقدر ما يحمل من مخاطر يفتح أمامها فرص هائلة، فمحيطنا من ليبيا والسودان واسرائيل ووضعه المتفجر وقد يكون عدوانيا، وداعم للإرهاب المنظم ضدنا، يفرض القيام بدور مفتوح وليس التقوقع فى حدودها، والعالم من حولنا تتغير تحالفاته وأقطابه ويستدعى مد علاقات واسعة مع الهند والصين وجنوب افريقيا وأمريكا اللاتينية كمجتمعات ناهضة أصبح لها ثقل فى القرار الدولى، وتجاربها فى التنمية والقضاء على الفقر والتحول الديمقراطى وتداول السلطة نموذج يجب دراسته والاستفادة منه، ومن هنا جاءتنى فكرة ارسال البعثات كما فعل محمد على للوقوف على أسباب نجاحها فى ظروف مشابهة لنا.
أما افريقيا هى المغنم الأخير الذى تتصارع عليه القوى العالمية الكبرى، ومصر قائد طبيعى فى افريقيا فقدت دورها وعليه استعادته، ولدينا فكرة لأنشاء منظمة جديدة لدول حوض النيل وقمة تجمع رؤسائها بانتظام، يمكن من خلالها حل مشكلة سد النهضة، ونطرح رؤية بالمشاركة لضمان التنمية وتوفير الماء والغذاء بصورة عادلة تسمح بتقدم دولها ويؤمن لنا ولهم مصادر المياه دون الجور على حساب دولة على الأخرى. ويجعل مصر طرفا ورقما صعبا فى صراع الدول الكبرى على افريقيا.

ولكن هذه خطط على المدى الطويل ولن تحل مشكلة سد النهضة الجارى العمل فيه بشكل منظم؟
على العكس هذا يمكن أن يتم فى شهور قليلة والدعوة لقمة دول حوض النيل بعد تحرك دبلوماسى يؤمن الاستجابة للدعوة، واستخدام أجهزة الاستخبارات وإحياء علاقاتى التاريخية بهذه الدول، ولكن تتبدى إرادة سياسية واضحة وجادة، ومن خلال لقائى بوفود من دول افريقية وسفرائهم ألمس هذه الاستجابة ولديهم افتقاد حقيقى لدور مصر ويريدون استعادته وبصدق وكذلك ألمسه من وفود عربية وغربية. نحن نقطة الاتزان فى العالم ويجب أن نتحرك وفقا لإيماننا بهذه القيمة والمكانة التى حبانا بها الله.

رسائل قصيرة إلى:

المشير السيسى.. أرجو أن ينجيه الله من رجال مبارك
حسنى مبارك.. انتهى زمنك ونظامك لن يعود
ياسر برهامى.. أنا فخور بأنى ناصرى
مرتضى منصور .. لا رسائل
الشعب المصرى.. أنت مصدر القوة ومن بعد الله المدد


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 نشر الحوار بجريدة التحرير - 19 ابريل 2014
لينك العدد: 
http://tahrirnews.com/wp-content/uploads/2014/03/Th_20140419.pdf