الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

مصل ضد الفساد



الآن.. في الوقت الذي تتقدم فيه مصر لمنظمة الصحة العالمية بإحتجاج علي خريطة توزيع مصل أنفلونزا الخنازير واستئثار الولايات المتحدة وأوروبا بحوالي 90% من إنتاجه، استدعي نكته قديمة يقف فيها القرد أمام الأسد ويصرخ في وجهه قائلاً: «متقدرش» فيضحك ملك الغابة وهو ينظر للحيوانات وينصرف عنه مستهزئاً بقوته المزعومة.
يحدث هذا في نفس التوقيت الذي يقف فيه مركز المصل واللقاح كمؤسسة عريقة لها سمعتها التاريخية مكتوف الأيدي بعد أن تم تفريغه من كوادره ونوابغه من الباحثين الذين هجر بعضهم الوطن لاجئين وراء العلم في أمريكا وأوروبا بينما وقف زملائهم الباقون أمام أبواب مراكز ومؤسسات البحث العلمي في مجالات الكيمياء الحيوية علي الأبواب للمطالبة بأجور عادلة تكفيهم شر الحاجة وشدة العيش.
وهو ذات الوقت الذي تطالعنا فيه الأخبار بفوز عالمة الكيمياء الإسرائيلية عادا يونات بجائزة نوبل في الكيمياء مع زميليها الأمريكيين بعد نجاحهم في اكتشاف تأثيرات بعض المضادات الحيوية علي جسم الإنسان، وأدي إلي توصلهم إلي إنتاج بعضها من خلايا الجسم.. وهو ما يمكن من محاربة العديد من الأمراض.
وكالعادة غلبتني الحسرة عندما تذكرت حديث الدكتور رءوف حامد لي عن «مركز الإتاحة الحيوية الذي أنشأه عام 1990، وكان يعمل تقريباً في نفس المجال العلمي.. الدكتور رءوف حامد الذي حيكت له مؤامرة دنيئة لإقصائه من مجلس إدارة الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية بعد معركة خاضها العالم الجليل بشرف ونبل في مقاومة الفاسدين الذين زجوا بالهيئة وشعبها ومراكزها وباحثيها إلي نفق مظلم وضع مصر في هذه المكانة الهزيلة وليس في أيدي حكومتها سوي خطاب احتجاج يتباكي فيه وزير الصحة علي ممارسات شركات الأمصال واللقاحات الأمريكية والأوروبية، مذكرا إياها بشعارات أولهم عن حقوق الإنسان وحماية فقراء العالم.
وهنا أذكر الوزير الذي كان مهندساً لعملية إقصاء الدكتور رءوف حامد من منصبه، أين كانت حينها حقوق الإنسان؟ وأين كان شرف المسئولية لحماية علماء الوطن الذين أفنوا حياتهم في البحث العلمي إيمانا منهم أنه السبيل الوحيد لرفعة الوطن وتعظيم قوته؟
ومن الذي خرب مؤسساتنا العلمية من كوادرها؟..
ومن الذي سمح لأنصاف العلماء وأشباههم أن يستأثروا بالمناصب القيادية ويكون في أيديهم القرار؟
ومع أسئلتي اليتيمة من الإجابات أسأل ماذا لو ظل «مركز الإتاحة الحيوية» يعمل علي أبحاثه ودراساته خلال العشرين عاما الماضية لاكتشاف تأثيرات الأدوية علي أجسام البشر؟ أكان من الممكن أن يكون أحد باحثيه في الفريق العلمي الذي كونه الدكتور رءوف حامد يقف الأن في مكان العالمة الإسرائيلية؟.. أكان من الممكن لهذا المركز الذي تم إغلاقه لصالح شركات الأدوية الأجنبية في مصر أن يفتح المجال لإنتاج أدوية وطنية تقينا شر الاستيراد؟ وأن يثمر تعاونه مع باحثي الأمصال واللقاحات في أن يكون لنا خطوط إنتاج تجعلنا لانقف في طابور المتسولين لمصل انفلونزا الخنازير؟
والدليل علي أني لا أتصور الوهم هو أنه في ظل هذا المناخ غير السوي يتوصل مجموعة من باحثي المركز القومي للبحوث لاكتشاف مصل انفلونزا الطيور، ولكنهم يقفون الان في انتظارات خط إنتاج يستغرق ما يقرب من العامين فكيف لو توافر لهم المناخ العلمي السليم؟ ربما استطاعوا أن ينتجوا لنا مصلاً للفساد وهو المرض الأخطر علينا من الأنفلونزا.


زينب حسن

10 أكتوبر 2009

الاثنين، 5 أكتوبر 2009

عد ياغريب


تتعالي الأصوات من حولي، وتأخذني الأماكن هنا وهناك.. تلك البيوت أعرفها، وهؤلاء الناس أحبهم، هي بلدي الجميلة وأهلها الطيبون الغلابة، الذين أعتصموا بالزهد، وتزهد فيهم الحياة.
ولكن لماذا يستغرقني كل هذا الصمت، ويملأ دنياي ذلك الفراغ، ويستعصي في قلبي الأمل، وتتوه علي وجهي الابتسامة كأني أبحث عن شيء في شارع مظلم لا أعرف له عنواناً، أو كما قال لي أستاذي سليمان الحكيم أني أشبه عازفي الكمنجات في فيلم «تيتانك» حين أصروا علي عزف الموسيقي والموت يحاصر سفينتهم، ويسقط حولهم الغرقي في المياه الباردة!
ورحت أسال نفسي: هل كان ذلك الوصف من قبيل المدح أم الذم؟ لكن الإجابة لم تشغلني طويلاً، لأني ببساطة لا أختلف كثيراً عن كل من يصرخون ليلاً ونهاراً بآلام الوطن ومآسيه، فكلنا ركاب في السفينة المنكوبة وتكاد مياه الإحباط واليأس والأحلام المبتورة أن تبتلعنا، بعد أن غرقنا في زحام الأيام التي تقذفنا إلي المجهول، فكل الأحداث أصبحت تمر كشريط أخبار لانملك معه سوي النظر والتحسر.
وكالجمر أسترجع أمسا قريباً كنت فيه مملوءة بالأمل في مصير مختلف.. في البيت والعمل والشارع والوطن الكبير، وأحرص ألا تسقط مني المعاني في المياه الباردة، فربما مازلت أتمسك بخشبة نجاة لأنتقل إلي فيلم آخر أبحث فيه عن حكايات الغريب الذي مر علي تاريخ هذا الوطن وأعطي لنا شرفاً أرجو أن نستحقه بطولات وحرب وثورة تغيير وحلم بمستقبل أفضل لشعوبنا وربما لا أملك عصا سحرية تحيل دراما الأفلام إلي الواقع لتتحقق أحلامي، لكني أستطيع أن أقتطع من أيامي ما أرفضه فيها، بوقفة مع اللغة أغيب معها في كلمات الأمل والتفاؤل، أعول علي معني شفاف يؤنس وحدتي، وسيف مبتور أشحذه بذكري غالية أضرب به في معارك الطموح والأهداف العصيبة، أغتسل بالدمع من الكسل والفشل، وأطهر روحي من رياح الإحباط واليأس، لعلي أتشجع يوماً وأنزل من فوق الرصيف، لأقف في وسط الميدان أرفع رايات الرفض وكلي إيمان أني لست وحدي، و أن كل هؤلاء الصامتين من شرفاء الوطن والغيورين عليه سينزلون أيضاً من فوق أرصفتهم لنستعيد وقفات الاحتجاج وصرخات الرفض، ويعود الشارع كما كان لنا ونقول لا.. كفاية.. حرام.
أتمني ألا يطول وقوفنا وصمتنا، ويكون ذلك في موعد قريب.


زينب حسن

5 أكتوبر 2009