الخميس، 5 يوليو 2007

بيانـــو

 
 

أمام فاترينة الألعاب وقفت البنت الصغيرة تتأمل، وكلما سألت عن طبيعة كل لعبة ومزاياها وكيف تعمل ترفع رأسها فى خجل ورجاء، وعيناها مملوءتان بالأمل أن تدخل المحل وتشترى البيانو الذى فاز دون غيره من الألعاب بإعجابها، أشاحت الأم بوجهها فى الناحية الأخرى، خوفا من أن تبادرها بالسؤال الذى لن تستطيع له ردا بعدما قرأت أوراق الأسعار..
أمل الصغيرة ارتطم بعجز الأم، فى الوقت الذى يتوالى فيه خروج الصغار فرحين بما يحملون من أكياس الألعاب، وتكاد أقدامهم تلامس السماء ليصلوا إلى بيوتهم طيرانا.
تشد الأم يد البنت التى تحجرت قدماها فى الأرض، فتحكم قبضتها على يد الصغيرة وتجبرها على السير، بينما عيناها ملتصقتان بالبيانو.
فى يوم آخر جلست البنت فى ركن من البيت تتأمل ألبومات صور العائلة، فوجدت فى واحدة منها أمها تعزف على بيانو صغير فنهضت لاهثة وجاءت إليها تسأل: أين هذا البيانو؟
الأم: كان هدية فى عيد ميلادى وأنا صغيرة
البنت: وأين ذهب؟
الأم: لا أعرف، ربما انكسر أو ضاع هذا منذ زمن بعيد
البنت بتلميح: إنه يشبه ذلك البيانو الذى رأيته فى محل الألعاب!
الأم باقتضاب: نعم!
البنت: أريد أن تشتريه لى
الأم: فى عيد ميلادك المقبل
البنت: متى؟
الأم: بعد ثلاثة شهور
البنت: ياه.. لسه هستنى كل ده؟
الأم وقد غلبتها نوبة سرحان: لقد اتفقنا أنا ووالدك منذ كنت صغيرة أن نجلب لك بيانو تتعلمين عليه الموسيقى
البنت بفرح: بجد
الأم: بجد
البنت بانتباه وحزن: كان نفسى بابا هو اللى يشتريه!
صمتت الأم كأنها تلقت طعنة اخترقت قلبها المملوء ألما لفراق الزوج الذى داهمها فى لحظة غادرة، وتركها مع ابنتها يواجهان طعنات الحياة الصعبة، وجعلتها عاجزة أمام تلبية رغبات طفلتها البريئة.
لم يكسر صمتها العابر على ذكرياتها سوى يد الابنة تمسح دموعها قائلة: متزعليش يا ماما وراحت هى الأخرى تبكى
غابا معا فى حضن طويل، حاولت بعده الأم أن تنتشل طفلتها من قسوة الموقف وقالت: لما أجيبلك البيانو هتعرفى تعزفى عليه؟
فردت البنت: آه طبعا
صمتت برهة واستطردت: لو كان بابا و.. وسكتت
الأم: خلاص يا حبيبتى أنا هاشترى لك البيانو بكره مش هستنى عيد ميلادك.
البنت: خلاص مش مهم.

زينب حسن
5/7/2007