الخميس، 24 أبريل 2014

عم صمويل




أجرى.. ألهث.. أختبئ، فينتصب معتدلا فوق كرسيه، حتى لا يرانى أصحابى، الباحثون عنى ونحن نلعب "الاستغماية"..

عيناه لا تلبث أن تتبع خطواتهم وهم يفتشون فى أرجاء المكان، فيكتم ابتسامته إذا ما اقترب أحدهم، فإذا ما فررت ووصلت إلى نقطة بدء اللعبة، يعود إلى استرخائه، مزهوا بنجاحه فى تنفيذ خطتنا التى لم نتفق عليها..

عندما يبدأ اللعب من جديد، يعود إلى جلسته المستقيمة، وسرعان ما ينتبه أصحابى إليه، فيهرعون خلفه للإمساك بى، فلا يجدوننى، حينها تعلو ضحكته الصافية، وتنشرح قسمات وجهه النحيف المسكونة بروح الطفولة.

فى الساحة الكبيرة أمام مخزن الخشب الذى يمتلكه، اعتاد "عم صمويل" أن يجلس على كرسيه المصنوع من الأرابيسك والصدف، ورغم أن المخزن بداخله مكتب مجهز، به جهاز التكييف الوحيد الذى ورد على شارعنا، إلا أنه كان يفضل هذا المكان، ملتحما مع جيرانه وأصدقائه أصحاب المحلات الأخرى، ليحمل كل منهم كرسيه ويلتفون حوله فى جلسات سمر لا تفارقها القفشات والضحكات.

حين كان يسافر فى المناسبات إلى قريته بالصعيد فى مدينة جرجا، كنا نشعر أن الشارع افتقد أحد معالمه الهامة، ويكفى أن لعبتنا المفضلة، باتت منقوصة بدون موطن اختبائنا المميز، وضحكاته التى كانت تشبع روح اللهو فينا.

عودته كانت تعوضنا بالكثير، فها هى اللعبة ستكتمل، ومعها تأتى خيرات الصعيد من الجبن والعيش الشمسى والفطير الذى كان لكل من فى الشارع نصيب فيه، بما يوزعه بنفسه، أو من كان يشترك على مائدته بالمخزن دون دعوة.

أتذكر مشهد العربات الكبيرة المحملة بالأخشاب حين تقف فى ساحة لعبنا، كنا نسارع إلى المشاركة فى حملها مع العمال إلى داخل المخزن، ورغم أن "عم صمويل" كان يثنينا عن ذلك خوفا علينا، إلا أننا لم نكن نستجيب.. الآن أعرف أننا لم نكن نفعل ذلك لإخلاء ساحة اللعب، بقدر ما كنا نرغب فى إسعاده، كما اعتاد أن يسعدنا. 

الله يرحمك يا "عم صمويل" ويرحم أيامك!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
نشر فى جريدة الكرامة 2013