الجمعة، 30 يناير 2009

أيام الديسك والميكروباص

الميكروباص والديسك.. من دفتر أحوال المصريين

رغم أنهما عالمين مختلفين تمام الاختلاف إلا أن حمدى عبد الرحيم فى كتابه "فيصل- تحرير.. أيام الديسك والميكروباص" استطاع أن يلتقط الرابط بين يوميات وسيلة المواصلات الأوسع فى مصر "الميكروباص" وبين مطبخ الصحافة حيث تعد المواد الصحفية لتكون صالحة للنشر "الديسك".

تجربة فريدة كتبها حمدى بأسلوب أدبى ساخر ممسكا بخيط (العبث) التى باتت عليه حياة المصريين، مستشهدا على هذا بإهدار السلطة التنفيذية لحديقة أثرية عمرها 130 عاما فى منطقة حلوان وتخصيصها للميكروباص، وهو نفس العبث "الذى يرغم الديسك على تحرير صفحات لا علاقة لكتابها بالكتابة.. حتى أن البعض شبه عمل الديسك بالخدمة فى البيوت.

فيقول: "هنا تجد مهنة تنهار وجماعة بائسة تحاول إقامة السدود فى وجه طوفان قادم" مضيفا أن الديسك والميكروباص وجهان لعملة واحدة وهما دليل على متغيرات سياسية واجتماعية وثقافية تعرض لها المجتمع المصرى فى السنوات الاخيرة.

وعن الميكروباص "لم يكن قبل سنوات يمثل ظاهرة ثم أصبح له وجود محدود كبديل للطبقة الوسطى عن ركوب الأتوبيسات العامة التى صارت وسيلة غير أدمية، وانتهى الامر بالميكروباص ليصير هو الاخر وسيلة غير ادمية بعد اختفاء المواصلات العامة تقريبا من الشوارع".

ويقول أيضا: "كانت البلاد قد شهدت العصر الميكروباصى الأول وعلامته الفارقة أن سائقى الميكروباص كانوا جماعة من المصريين لهم ما للمصريين وعليهم ما على المصريين... ويستطرد: اشتد ساعد الحضارة الوليدة وتراخت قبضة الحكومة فصال الميكروباص وجال وأصبحت كلمته هى العليا وكلمة الحكومة وما تبقى من أتوبيساتها هى السفلى، فاعترفت البلا بحكومة العصر الميكروباصى الثانى"...
الكتاب الصادر عن مكتبة مدبولى أشبه بوثيقة اجتماعية عن حياة الناس، لاقت اهتمام العديد من الكتاب أمثال علاء الأسوانى الذى كتب مقدمته، وتم نشر العديد من المقالات حوله فى معظم الجرائد وكذلك نشرت عنه "وكالة رويترر" مقال كبير تحت عنوان "كتاب عن ظاهرة الميكروباص يلقي أضواء على تحولات المصريين".
فى فصوله الـ 30 يمتلأ الكتاب بحكايات كثيرة بدأها بتصنيف دقيق عن سائقى الميكروباصات تحت عنوان "أنواع القادة" وقسمهم إلى أنواع، وهم:
- الثوار: الشرسون مع الركاب والحريصون على رعب الركاب.
- المتطرفون: الذين لا يرضيهم تعامل بعض القادة مع الركاب بليونة ودائما ما يقود بسرعة جنونية ولا يتعقل إلا إذا تصدى له أحد الركاب.
- الدجاج: أطلق عليه أصحابه اسم "فرخة" وهو من له سابقة جنائية ولا يبالى بالسجن بل يحن إلى العودة إليه.
- السنية: ووصفهم بأنهم كربونة من أسامة بن لادن، وهو المتدين الذى يحرص على قول "إن شاء الله" حتى لو كان الفعل ماضيا.
وهناك المعاش والروش والمستغنى .
- المصرى: الذى يحب مهنته ويرى أن الله خلقه لهذه المهنة التى يراها سيدة المهن.
أما الركاب قسمهم عبدالرحيم إلى:
- الذاهلون: وهم الأغلبية المكتسحة، حيث إنه بين كل 14 راكبا هناك على الأقل 8 منهم، وهم الذين طحنتهم لقمة العيش وخاصموا التفاعل مع أى شىء. العاديون: وهم أصحاب مبدأ "معاهم معاهم عليهم عليهم". وهناك أيضا الثقلاء والمناكفون والمختالون والموبايليون والقراء والفضائحيون والمحرضون، وأيضا المصريون ولاد البلد الطيبون.
-
والديسكاوية أيضا صنفهم إلى 13 نوعا، ومنهم: أصحاب الرسالة: الذين يحبون الديسك ويعملون بنشاط ولايشكون هموهم لأحد. المعذبون: وهؤلاء عددهم يفوق الحصر ويشتكون دائما من تدنى مستوى كتابة المحررين ويسخطون على توجهات الجريدة التى يعملون بها. الجهلاء: وهم نوعان، جهلاء مسنودون تربطهم برئيس التحرير أو الناشر علاقة مميزة جدا، وجهلاء مساكين وهم الذين تقدم بهم العمر ولا يصح أن يظل محررا فيوضع فى الديسك على سبيل المجاملة. المخبرون: ويعملون لصالح رئيس التحرير أو للناشر أو لجهات خارج الجريدة. وهناك أيضا الحثالة والمرحليون والأشرار والخائفون والطوافون.
وفى استعراضه لحكايات الناس سواء فى الجرائد التى يعمل بها أو فى الميكروباص يلتقط عبد الرحيم وسط السواد بعض النماذج المضيئة سواء بذكره لبعض زملائه من نجوم الصحافة أمثال: أكرم القصاص وخالد البلشى وبلال فضل وغيرهم.
ومن حكايات الناس الفقراء فى الميكروباص هناك نماذج مثل:
مديحة: التى تتشاجر مع زوجها لأنه استضاف أحد قريباته ولا تستطيع أن تجلس معه على راحتها، وهنا يتشارك الركاب مع الزوج والزوجة فى حل المشكلة باقتراحاتهم، وينتهى الأمر بأن تعرض سيدة مسنة عليهما أن تسكن الضيفة معها لأنها تعيش بمفردها.

أم تامر: هذه السيدة الفقيرة التى ساعدها جارها فى أن يلتحق ابنها تامر بقطاع الناشئين فى النادى الأهلى واشترى له ملابس تليق بالنادى الكبير وتذهب كل يوم معه إلى النادى لكنها تتنتظر فى الخارج حتى لاتتحرج أمام سيدات المجتمع الراقى.

أسطى خليل: سواق الحياة الذى تعرض للفشل طوال حياته وسافر للعراق وأخذت خطيبته وأهلها كل أمواله لكنه فى النهاية تزوج من سيدة جميلة وطيبة غيرت له حياته وأصبح راضيا قانعا وابتعد عن كافة الرذائل التى كان يمارسها.

ونماذج أخرى بعضها ساخر والآخر يدعو للحزن، لكن عبد الرحيم يختم تجربته بأمل وتفاؤل وهو يسير فوق كوبرى الجلاء بصورة الصياد وابنه الفرحان بالسمك فى قاربهما الصغير فيبتسم الأب ويحتضن ابنه الذى ينام ويحلم بخير وفير فيقول حمدى لنفسه " توقف الآن لن تخسر شيئا ستربح صورة طفل نائم وعلى شفتيه ابتسامة، توقفت فاتحا قلبى للبشارة".
زينب حسن
30/1/2009