الاثنين، 30 يناير 2006

سيدة من مصر




تمكْتَبت وسط أكوام الكتب والمجلات النادرة من إبداعات التراث المصرى والعربى، فباتت مثلها على الهامش!
اكتسى وجهها بملامح المكان البسيط الذى طالته يد الإهمال مثلما فعلت فى أشياء أخرى فى حياتنا.. وكدست فيه ما رأته مجرد أوراق، مثلما كومت حقوقنا وأحلامنا على صفحات كتبت بأحبار زائفة.
فى إحدى حجرات مركز الفنون الشعبية الكائن فى شارع البورصة القديمة، جلست على مكتبها تتصفح إحدى المجلات.. وكما أصبحت مصر ارتسم على تقاسيم وجهها الشحوب ممزوجا بالشجون، لكنها مازالت قادرة على الابتسام.
على هذا النحو استقبلتنى وراحت تستمع إلى كلامى بتركيز بالغ، وبسرعة الخبير العالم ببواطن الأشياء، آتتنى بكومة من الكتب والإصدارات تحوى كل ما يتعلق من قريب أو بعيد بالموضوع الذى حدثتها عنه.
أسرنى اهتمامها الشديد، الذى ظننت أول الأمر أنه نبع من انفرادى بالوجود فى مكتبة المركز التى خلت عليها، لكنها فعلت الشئ نفسه مع أحد الزوار.. ما بهرنى أسئلتها التى تداخلت بها فى الحديث معى، لتكشف عن حبها للتراث وباحثيه والمهتمين به، وتنم عن دراية تامة بموضوعاته..
وفى سياق كلامها عبرت عن حسرتها لهذا التجاهل للمكان الذى يحوى كنوزا من التراث الشعبى نسجها المصريون فى أرقى إبداعاتهم الإنسانية، لكنها تتمسك بالأمل فى أن ينتقل هذا المخزون الثرى إلى مكان آخر يحميه ويحفظه من عوامل الزمن الردئ الذى غيب كل جميل فى حياتنا.
خانتنى تقديراتى عندما نظرت لتلك المرأة على أنها مثل غيرها من موظفى الحكومة، واعتقدت أن قاعدة التعامل معهم لا تقبل الاستثناء، حتى مع دقة الأداء، وأن الرغبة فى التكسب وزيادة الدخل من أى طريق هدف لا يختلف عليه أحد، فأردت بقدر من المال أن أرضى نفسى بتقدير جهدها معى.
طعنتنى برد فعلها العنيف الذى حول وجهها الساكن إلى فورة غضب كادت تصل إلى حد طردى من المكان..
ورغم صعوبة الموقف وتأنيب ضميرى لجرح مشاعر تلك السيدة التى لم تحمل من ذنب سوى أنها سجنت فى معتقل الوظيفة التى لا تغنى ولا تسمن من جوع، لكنها اغتنت بكرامتها وعزة نفسها فى زمن المهانة.. وأبت أن تهدرها أمام كسرة الأيام وضيق الأحوال.


زينب حسن

30/1/2006