الأحد، 20 مايو 2007

قهر الرجال


لم يكن مثل بعض سائقى التاكسى الذين يحاولون قتل الطريق بالثرثرة مع الركاب، والتطفل علي صمتهم وخجلهم فى بعض الأحيان، ما جعلني أستغرق في القراءة، وهي العادة التي أصبحت أحرص عليها، تجنبا لملل الشوارع المزدحمة التى جعلتنا ننفق جزءا كبيرا من أوقاتنا في التنقل من مكان لآخر.
وبينما أتابع القراءة انتفضت للفرملة السريعة التي أنقذتنا من كارثة كادت تودي بنا، نتيجة السرعة التي حاول أن يتخطى بها أحد التقاطعات.. وبهدوء شديد نزل من التاكسى ليحتضن سائق السيارة الأخري رغم كم الشتائم والسباب الذي وجهه له الرجل، و دون أن ينبش بكلمة طبع قبلة علي خده ورجع إلى التاكسى، موجها حديثه لى يعتذر عما حدث..
بدأ يعلل سبب شروده، حيث وضعت زوجته في الصباح توءم بعد عشر سنوات من الزواج ورحلة مضنية من العلاج، ويريد أن يلحق بها في مستشفي الجلاء للولادة.
نسيت الأمر ورحت أبارك له علي ما أعطاه الله، وسألته ماذا أسميتهما؟
وبرد انتزع منى الدهشة، قال بحرقة ساخرة: "أسميهم.. يا ريتني أسممهم!"
استعذت بالله، وبينما أسأله عن السبب، رن جرس المحمول، فانقطع حديثه.. وبعد انتهاء المكالمة سألني: حضرتك صحفية؟ فقلت: نعم، فقال: في أي جريدة، رددت: "الكرامة".. وإذا به يعلق ساخرا: أين هى تلك الكرامة؟.. واستطرد: كرامة إيه يا أستاذة، أنا النهاردة ولأول مرة في حياتي أبكي متوسلا للموظفين والممرضات في المستشفي، من أجل إعطاء زوجتي حقنة الـ "R.H"، ولم يكن معي سوي 250 جنيها، بينما سعرها 300 جنيه! لقد حاولت أن أترك لهم بطاقتى ورخصتى حتى أجلب لهم باقى القيمة، لكن لا حياة لمن تنادى..
انهمرت دموعه حين ذكر أنه استنجد بأحد الأطباء ليستجيب لطلبه، ووصل به الأمر أن قبل حذاءه، فإذا بالطبيب يرد ببرود: "دي حاجة تخص المستشفي، وليس لي دخل بها".
حاولت تهدئته، لكن المأساة كانت أكبر من ذلك.. فقد كان في طريقه لسداد باقى ثمن الحقنة، لكن موعد الولادة المبكرة للتوءم جعلتهما بحاجة إلى وضعهما في الحضانة، ولأن المستشفى ليس بها واحدة فارغة، فهو مجبر أن يحجز لهما فى مستشفى آخر، بإيجار يومى 140 جنيها!
قتلني وجع الرجل علي امرأته وأولاده، وفرحته التي انقلبت غما وحزنا، خاصة بعد أن علمت أنه سوف يعود للبيت محاولا بيع أي شئ فيه بعد أن أغلقت كل أبواب الرحمة في وجهه..
ماذا أقول له وأي كلمات تلك التي تواسيه، فلم أجد سوي المبادرة بإعطائه بعض النقود، فإذا به رافضا متأسفا علي الزمن الذى وضعه في ذلك الموقف، بل زاد بأن صمم ألا يأخذ مني أجرة المشوار، وانطلق مسرعا وآخر كلماته، يحملنى فيها الأمانة بأن أكتب عنه والكثيرين من أمثاله، حتى تعرف الحكومة بنت الـ ..... كيف يعيش الشعب!


زينب حسن

20/5/2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق