الخميس، 26 ديسمبر 2013

أم رانيا

 
 

 لغة جسدها تصدر لكل من يقترب منها إشارات التحدى المحفور على ثنايا وجهها الخجول، الذى تداريه بنظارتها الشمسية.

فى ميدان رمسيس تبدأ يومها، بموقف سيارات الأجرة المتجهة إلى الإسكندرية، فبعد أن يمتلأ الميكروباص بالركاب، تهم أم رانيا وتأخذ جلستها على مقعد السائق.. يسود الصمت للحظات، وبعدها تنفجر التعليقات الساخرة كالطوفان على "السيدة سائق الميكروباص".. لكنها بجرأة المعتاد على الرد تسكت الألسنة بلسعات الألفاظ التى وإن تحمل بعض التجاوز، فإنها تمتزج بروح الاعتزاز بمهنتها، وكرامة العمل الصعب الذى اختارته بديلا عن سؤال الحاجة، أو مهن أخرى يمكن أن تلجأ لها سيدة فى زمن الفقر والاحتياج!

فى استراحة الطريق، يقتحم بعض الركاب جلستها مع عمال الكافيتريات الذين يرحبون بها ويأتون لها بكوب القهوة دون أن تطلبه، وإذا شعرت بقبول للحديث تبدأ بالكلام عن أمور حياتها وتسوق التبريرات التى تجعلها تندفع بشكل هجومى فى الرد على الركاب الساخرين منها.. حينها سترفع نظارتها ليظهر الوجه الذى أخفته النظارة الكبيرة طوال الطريق، ليكشف عن عجوز تعدت الخمسين على الأقل.. وبدون كلام تتساءل باندهاش عن الظروف التى تجعل مثلها يمتهن هذه المهنة الصعبة، قد تعرف خلال الرحلة أو لا تعرف أنها سيدة تجرى وراء كسب ما يكفيها لسد احتياجات بناتها الثلاث طالبات الجامعة، والتى صممت أم رانيا بعد وفاة أبيهم أن تكمل معهم مشوار الحياة، ووفاء لزوجها تريد أن يصبحن خريجات جامعة كما كان يحلم أبوهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 نشر فى جريدة الكرامة 2011
 

الاثنين، 16 ديسمبر 2013

ميلاد على شهادة وفاة


 
 


 
 

إنه اليوم الذى انتظره محمود طويلا بعد عشرة أعوام زواج، ترددت فيها زوجته على عيادات المراكز الطبية منخفضة التكاليف، من طبيب لآخر وتحاليل وأشعات كان زوجها يتكبد عناء تكاليفها بالعمل فى أكثر من مكان أملا فى حلم الإنجاب من زوجته التى أحبها منذ الصغر، وها هو الحلم يتحقق بفضل الله الذى وضع فى رحم زوجته توأمين وتوجها معا إلى مستشفى الجلاء للولادة بعد أن جمع الرجل قيمة الولادة القيصرية ودفعها فى الحسابات ووقف بانتظار قدوم الصغيرين، وإذا بالممرضة تخبره أن الأم بحاجة إلى حقنة الـ "R.H" نظرا لاختلاف فصيلتى الدم بينه وبين زوجته، لم يكن فى جيبه سوى 250 جنيها بينما سعر الحقنة 300 جنيه، لأول مرة فى حياته يبكى متوسلا للموظفين والممرضات في المستشفى، من أجل إعطاء زوجته الحقنة ويترك بطاقته لحين سداد باقى قيمتها، لكن لا حياة لمن تنادى..

انهمرت دموعه من فرط ذل الموقف الذى استنجد فيه بأحد الأطباء ليستجيب لطلبه، ووصل به الأمر أن قبل حذاءه، فإذا بالطبيب يرد ببرود: "دى حاجة تخص المستشفى، وليس لى دخل بها".

 المأساة كانت أكبر من ذلك.. اتصل بأخيه لجلب باقى المبلغ وانتهت المشكلة، لكن يبدو أن حالة التوأم جعلتهما بحاجة إلى وضعهما في الحضانة، ولأن المستشفى ليس بها واحدة فارغة، فهو مجبر أن يحجز لهما فى مستشفى آخر، بإيجار يومى 200 جنيها! وقف محمود فى حالة ذهول بعد أن انقلبت فرحته على هذا النحو من الحزن والغم، ولم يجد سبيلا سوى العودة للبيت محاولا بيع أى شئ فيه بعد أن أغلقت كل أبواب الرحمة فى وجهه..
 

الاثنين، 9 ديسمبر 2013

مريم وعبير



 

تقاسما منذ الصغر ميراث المحبة التى جمعت أسرتيهما.. تجاورت أحلامهما كما تجاور منزلهما بقرية التمساحية بمحافظة أسيوط، تلازما طوال يومهما حتى عندما تذهب مريم للكنيسة يوم الأحد تذهب عبير معها وتجلس فى مقعد خلفى حتى ينتهى القداس ويعودا معا للمنزل، وفى المدرسة بنيا معا قصور أمانيهما لاستكمال الدراسة ودخول كلية الطب، لكنهما تصادما بقرار أبويهما الاكتفاء بالشهادة الابتدائية، بحجة أن البنت مكانها الطبيعى هو البيت فى انتظار ابن الحلال.. تحولت الليالى الدافئة إلى جبال من الحزن على المستقبل المبتور بثقافة النظرة المتدنية للبنات فى المجتمع الصعيدى الذى لم يلحق بقطار التنمية والاهتمام لعقود عديدة.

تمر الأيام وتفتك الحسرة بقلبى ابنتى السادسة عشر ربيعا، إلى أنت تنجح مريم فى إقناع والدها بالذهاب إلى فصول الإعدادى التى تنظمها جمعية "جيزويت" بمركز المحافظة ، وعندما أرادت عبير مرافقة صديقتها لم يوافق أبوها رغم محاولات إقناعه من أفراد الأسرتين، فقررت مريم الذهاب كل يوم فى رحلة تستغرق منها حوالى الساعتين فى الذهاب والإياب، ونظرا لتفوقها ومحبة الناس لها بالجمعية طلبت منهم إدراج اسم عبير فى الفصول وتحملت هى مسئولية إعطائها الدروس يوميا دون الالتزام بالحضور إلا لأداء الامتحانات، وبالفعل لم تخالف مريم التزامها وتذهب يوميا لتحصيل الدروس لتعود رغم مشقة الطريق إلى منزل عبير محملة بروح المحبة والإصرار لصديقة عمرها ويواصلا معا رحلة النجاح والتفوق ليحصلا على الشهادة الإعدادية ونيتهما تكملة المشوار ليستعيدا معا الحلم القديم بأن يرتديا البالطو الأبيض ويخففا عن الناس آلام الأبدان بقدر ما تحملان من صحة واستقامة روحهما فى مجتمع لا تستقيم فيه أشياء كثيرة.

 

الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

على باب الله





يجلس سيد يوميا فى ميدان باب الخلق أمام مديرية أمن القاهرة وسط زملائه من عمال التراحيل حيث يضع كل منهم أدواته التى يستعملها فى أعمال البناء فى انتظار أن يأتى أحد الزبائن ممن يجهز بيته بالدهان أو تركيب السيراميك أو حمل مخلفات هدم أو غير ذلك مما يضمن له رزق اليوم الذى ربما يأتى أو لا فالأمر بيد الله..

وبينما يتجاذب زملائه أطراف الحديث يشرد بذهنه إلى ذلك اليوم الذى جلس فيه على نفس الحال مع مجموعة أخرى من أبناء قريته بالقليوبية فى إحدى أحياء مدينة جدة السعودية حين سافروا بتأشيرات عمرة دفعوا رسومها بالسلف والدين على أمل أن يتمكنوا هناك من العمل والحصول على إقامة رسمية، فتظهر أمامهم سيارتان فارهتان من طراز الدفع الرباعى بهما شابان سعوديان وطلبا من بعضهم الركوب للعمل فى أعمال بناء لعمارات شاهقة على أطراف المدينة، وعندما تزاحم العمال دعوهم يركبوا جميعا، وظلوا لمدة ساعة محشورين فى السياريتين غير مكترثين سوى بالمال القادم من هذه المقاولة التى من المؤكد سوف تغير حياتهم جميعا.. وفى مكان صحراوى مترامى الاتساع طلبا الشابان من العمال النزول، وما إن بدأ العمال فى تأمل الموقع الخالى تماما سوى من تلال الرمال وحرارة الشمس الحارقة فى هذا الوقت من نهار أغسطس، قفز الشابان بسرعة البرق إلى مقعدى القيادة وفرا بالسياريتين وهما يضحكان ساخرين من العمال ملوحين بأيديهم، وقال أحدهم عن بعد: "عيشوا شباب الله يوفقكم فى العمل الجديد"، سيد وزملاؤه وقفوا صامتين يتبادل بعضهم البعض نظرات القهر وآيات الذل التى أوقعتهم تحت رحمة هؤلاء العابثين وظلوا لساعات سائرين تحت هجير الشمس إلا أن تلقفتهم سيارة دورية أمنية، اتخذت معهم الإجراءات اللازمة حتى تم ترحيلهم لمصر..

الاثنين، 14 أكتوبر 2013

مواطن بدرجة مقاتل





كعنقود عنب لا ينفرط تحكى الجندية المصرية روايتها فى عشق الوطن.. تخوض معركة اليقين بأن فى الإمكان دائما الأبدع والأبدع مما كان.

أول درس نتعلمه فى الجيش الذهاب للضفة الشرقية بسيناء ووضع حفنة تراب من أرضها ومسح فمنا بها ثم نغسله بماء قناة السويس.. ويقول لنا قادتنا: فى هذه الأرض سقطت دماء كثيرة من شعبنا عبر التاريخ، وعلينا نحن حمايتها من أعدائنا وبنائها للأجيال القادمة.
هذا ما ذكره اللواء سعيد عباس قائد المنطقة الشمالية فى الاسكندرية ردا على من ينادون بسقوط حكم العسكر.. الرجل بحسه الوطنى رسم لوحة جديدة لطبيعة هذا الجيش الذى أرسى مفاهيم وتقاليد الجندية التى عرفها العالم منذ فجر الحضارات القديمة، ليستكمل لنا لوحات معارك مصر المجيدة من قادش ومجدو وحطين وعين جالوت عبر الملاحم الشعبية لثورات القاهرة ورشيد والمنصورة وثورة 19 انتهاء بوحدة اليد المدنية والعسكرية فى حرب السويس وملحمة بورسعيد ونصر أكتوبر حتى ثورتى 25 يناير و30 يونيو ليبقى دائما الجيش والشعب يدا واحدة.

مصر يا مه يا بهية يا أم طرحة وجلابية.. الزمن شاب وانتى شابة هو رايح وانتى جايه.. 

تروى لنا الأسطورة ملامح صاحبة الطرحة والجلابية مرسومة فى وجوه أبنائها المرابضين فوق الدبابات يحمل كل منهم بندقية، محميا بحب الناس، كأنه يقول أنا الشعب عارف طريقى، فهل يمكن أن يوجه فرد سلاحه فى وجه أخيه، هل يقتل نفسه.. 

وقف الجيش مع الشعب أو وقف الشعب مع الجيش.. فهل من فارق؟

الله الوطن بالأمر

شعار الجندية المصرية الذى يراه البعض من زاوية ضيقة وينفذ إلى ضلعه الأخير "الأمر" على انه رمزا للاستبداد والتحكم الأعمى ما جعلهم يتهمون رجال الجيش بأنهم بهذا الأمر ينصبون أنفسهم ألهة على جنودهم وعلى الشعب، ولكن هذا التجاهل لهذا الشعار بثالوثه المقدس ينطوى على تربص واضح وقصر نظر لهذه المؤسسة العريقة، التى خاضت معاركها كلها حروبا ضد الشر وإعلاء للحق وصدا للطامعين من الأعداء لاغتصاب البلاد وكسر إرادة العباد الأحرار من شعبنا الأبى.

ولكى لا ندور كثيرا فى دوائر الدفاع عن الجيش ليس من باب الاتهام ولكن لأن الوقائع تسرد نفسها لتؤكد لنا أن هذا الأمر فى حقيقته هو امتثالا لأمر الشعب وإرادته، وكما قال الفريق عبد الفتاح السيسى فى خطابه أن حماية إرادة الشعب وحمايتها أشرف لدى الجيش من شرف حكم مصر، كان الرجل يحمل ورائه رصيدا وافرا من الحقائق التى تشهد بصدق ما يقول، فمن كان يأمر أحمد عرابى حين وقف أمام قصر عابدين ويقول للخديوى توفيق: "لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا فوالله الذى لا إله إلا هو إننا لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم". 

ومن كان يأمر الضباط الأحرار حين قاموا بثورة ضد فساد الحكم ومقاومة الاحتلال، وهم أبناء الكادحين من الفلاحين والعمال والبسطاء، ومن كان يأمرهم حين قضوا على الإقطاع ووزعوا الأرض على الفلاحين وبنوا المصانع وخاضوا معارك ضارية من أجل استقلال قرار الوطن وبسط سيادته أمام العالم الذى لا يحترم سوى الأقوياء.

ومن أمر جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس من أجل بناء السد العالى كمشروع وطنى تنموى لا زلنا نحصد ثماره جيلا بعد جيل، وكيف استطاع رجال القوات المسلحة بسلاح الحق أن يديروا أكبر ممر ملاحى عالمى ويقاتلون فى ميدان جديد لا يحمل فيه السلاح ولكن تتجلى فيه مهاراتهم الفنية والاستراتيجية للحفاظ على مكتسبات الثورة ليعترف العالم كله بإرادة المصريين وإجبارهم على احترامها كقوة لا يستهان بها.

ومن أمر أنور السادات بخوض حرب تحرير سيناء، بعد أن عزم الشعب على استعادة كرامته وحرية أرضه بعد استنزاف طاقات العدو فى معارك نوعية أبهرت العالم، وكسرت لديه أسطورة الجيش الصهيونى الذى لايقهر.

هذا الرصيد الذى جعل الجندية شرف كبير والتزام بقيم الوطنية وإعلاء للحق لوجه الله والوطن وأمر الشعب وإرادته، لذلك لم تكن المؤسسة العسكرية طوال تاريخها منفصلة عن قضايا الناس، ومع اضطلاعها بمهمتها الرئيسية بحماية الحدود ضد الأخطار بحمل السلاح واستعدادها للقتال والتضحية بالأرواح حفاظا على أرض الوطن، انخرطت أيضا فى ميدان التنمية والبناء بإقامة صروح قوية أسهمت فى تقوية الاقتصاد المصرى، كالمصانع الحربية والهيئة العربية للتصنيع التى فتحت خطوط إنتاج ليس للمعدات الحربية وحسب، بل أيضا للأجهزة الكهربائية والتكنولوجية التى دخلت كل بيت وشكلت نقلة حضارية ونوعية فى حياة المجتمع المصرى، فضلا عن بناء العديد من المستشفيات والمدن السكنية وقطاع الخدمات الذى يدير شبكة واسعة من محطات الوقود وإدارات الطرق وتشييد الكبارى، وقطاع إدارة الأزمات الذى يهب دائما لمساعدة الأجهزة التنفيذية فى حالات الطوارئ وكلنا نتذكر ما قام به الجيش أثناء زلزال عام 1992.




الفجر لمن صلاه

فى مشاهد التدريب العسكرى صف جند مطلوب منهم المشى لمسافة 600 كيلو متر دون انقطاع، أى يومين كاملين مقيدون بالوقت ودرجة الكتيبة مرهونة بوصولهم فى الميعاد، يسيرون بالخطوة العسكرية، تتعب الأبدان تجوع البطون وتجف الحلوق، من شمس لليل لرياح من فجر لظهر ومغرب لا يهم، الهدف واضح والعين على الطريق والقلوب معلقة بلحظة الوصول، يقف بعضهم صفا، يحمل كل منهم كف صاحبه على ظهره ومن بعده الآخرون بنفس الطريقة، الأول يأخذ مشيته بخطوة ثابتة فيتبعه أصحابه، حتى يستقيم السير، يظل الأول مستيقظا ويرمى الآخرون رؤوسهم على أيديهم ويروحون فى النوم لكنهم لا يفقدون خطوة سيرهم، نعم يمشون وهم نائمون من التعب، وتستمر المسيرة حتى يقف الأول بعد عدة ساعات، ويرجع إلى آخر الصف، فيستيقظ من كان بعده، ويبدأ السير بنفس الخطوة حتى يثبتها مع أصحابه، ويروحون هم فى النوم وهكذا حتى يلمحون من بعيد نقطة الوصول فيجرون أرجلهم كالجبال من شدة التعب والجوع والعطش لكنهم لا يتوقفون يسقط بعضهم فيزحفون حتى يبلغون المكان المحدد حيث ينتظرهم قائدهم بنظرة فخر أن أبنائه وصلوا فى الموعد، بقى من المجموعة أحد الجنود لا يستطيع الزحف ولم يعد أمامه سوى أمتار قليلة عينيه مملوءة بالدموع، يطلب من زملائه رمى أى شئ معه فى نقطة الوصول حتى يأخذ درجته فى التقييم، لايجد معه شئ سوى سلاحه، فيطالبه زميل برمى السلاح، فينظر له ويرفض التخلى عن سلاحه مهما كلفه الأمر، حينها يهم قائده مع أحد الجنود بحمله، ويقول له لقد أخذت الدرجة كاملة لأنك لم تتخل عن سلاحك فيدخل الجندى فى نوبة بكاء من الفرح، حينها يفرد القائد ذراعيه وهو يقف وسطهم، ويصرخ هؤلاء جند مصر عاش وحوش الشعب.

أرباب السيف والإبداع

من ميدان الحرب إلى ميدان الإبداع ترمى المؤسسة العسكرية بظلالها على وجوه كثيرة كان لها تأثير عميق فى حياتنا لتظهر لنا وجها مغايرا للعقيدة القتالية، من خلال قواها الناعمة التى فجرت طاقات الإبداع فى أبنائها وكل من ارتبط بها من قريب أو بعيد.. وهى ظاهرة جديرة بالتأمل تجعلنا نتسائل عن الفارق بين القوات المسلحة وتلك الحركات - سياسية كانت أو غيرها- التى تدعى قدرتها على التنظيم والحشد والتعبئة لأفكارها ومعتقداتها، وكيف أنها افتقرت على مدار تاريخها بأن تقدم للمجتمع أى طاقة ابداعية أو حتى أسماء يمكن أن يشار إليها فى مجالات الأدب أو الموسيقى أو الرياضة أو حتى فى مجال العلوم والاقتصاد. 

على الجانب الآخر كان الجيش مؤسسة لا تقتصر على فنون القتال ومهارات الحرب ولها فى هذه الساحة أسماء يشار لهم بالبنان فى العلوم العسكرية واستراتيجيات الحرب الذين تدرس مؤلفاتهم فى مختلف الأكاديميات ومن هؤلاء الفريق سعد الدين الشاذلى والفريق عبدالمنعم رياض واللواء أحمد حمدى، فضلا عن مهارات أخرى عمرت بها كليات الجيش المتعددة، فعرفنا الضابط المهندس والضابط الطبيب والضابط الباحث، ورغم أنها قطاعات تخدم المؤسسة فى فترات الحرب إلى أنها قامت بمشروعات تنموية أسهمت فى دفع مسيرة الاقتصاد والتجارة والخدمات وتحسين البنية التحتية وتعظيم الموارد الصناعية والقدرات البشرية من خلال مراكز التدريب التابعة لها وإلحاق المجندين ببرامجها.

المثير أن امتداد تأثير هذه المؤسسة تجلى فى رموز ناصعة بمجالات الإبداع المختلفة، بدءا من اللواء الشاعر محمود سامى البارودى الملقب بـ"رب السيف والقلم" الذى ارتبط اسمه بالثورة العرابية وتولى وزارة الحربية ومن بعدها رئاسة الوزراء، ولم تمنعه تلك المهام بأن يحفر له مكانا كأحد رواد التجديد فى الشعر العربى. ويبرز اسم محمد عبد القادر حاتم خريج الكلية الحربية الملكية الذى أنشأ أول وكالة أنباء في العالم العربى هى وكالة أنباء الشرق الأوسط. وعين وزير دولة لشئون الإذاعة والإعلام العربى عام 1958، ثم شغل منصب وزير الثقافة والإرشاد القومى من عام 1960 إلى 1965 وله مؤلفات قيمة فى مجال الإعلام.

وعلى نفس الطريق برز اسم ضابط أركان حرب ثروت عكاشة الذى تولى وزارة الثقافة فى فترة حكم عبد الناصر، وذاع صيته كقيمة عالمية فى مجال الفنون والثقافة من خلال مؤلفات عديدة، وتصديه لمشروعات حماية التراث العالمى فى العديد من دول العالم، من واقع خططه الناجحة التى حافظ بها على آثار النوبة ومعابد أبو سمبل وفيلة فى جنوب مصر، ونال جوائز وأوسمة دولية عديدة.

ويأتى يوسف السباعى ليضيف بعدا لصورة الضابط الوزير الذى برع فى فنون العسكرية حتى أصبح أستاذا فى الكلية الحربية، بنفس البراعة التى جعلت رواياته الأكثر توزيعا وتحولت إلى أفلام شهيرة من بينها "إنى راحلة- رد قلبى- بين الأطلال- نحن لا نزرع الشوك - أرض النفاق - والسقا مات" وكرجل دولة استطاع أن ينقل وزارة الثقافة من سطوة النخبة إلى البسطاء فى الشوارع والحارات والقرى ضمن رؤيته التى عبر عنها من خلال الثقافة الجماهيرية. 

وتتوالى الأسماء التى تضع لنا صورة ذهنية واضحة عن طبيعة الجندى المصرى ابن الفلاح والعامل وتربيته العسكرية التى تعكس عجين ملح الأرض الطيبة، ممزوجة بروح المسئولية والالتزام فيكون النجاح حليفها فى كل المواقع التى تتاح لها فى أى مجال، ونذكر هنا أسماء لامعة منها جمال حماد وأحمد حمروش كأبرز مؤرخى المرحلة الناصرية، والعقيد محمد على فرج الذى تخصص فى الكتابة عن سير أبطال العسكرية العربية والإسلامية، ومن أهم مؤلفاته "خالد بن الوليد - والمثنى بن حارثة".

وفى مجال الرياضة لا يمكن إغفال أسماء الضباط، محمود الجوهرى ـ حمادة إمام - محمود بكر - وابراهيم الجوينى.. وفى الفن يبرز أحمد مظهر الذى أكمل مسيرته من ضابط فى سلاح الفرسان لينفرد وحده بلقب فارس السينما العربية.



مدنيون جنود 

هناك أسماء امتزجت بروح العسكرية وإن لم ترتد زيها، لتؤكد لنا من جديد ارتباط الجيش بالشعب كوحدة وطنية لا تستقيم حياة المصريين بدونها، فها هو الأديب جمال الغيطانى الذى عمل كمراسل عسكرى أثناء حرب أكتوبر، وكانت لتلك الفترة تأثير كبير فى حياته صورها فى سيرته الذاتية (التجليات)، وكتابه الشهير عن سيرة العقيد الشهيد ابراهيم الرفاعى قائد المجموعة 39 صاعقة التى قامت ببطولات فذة ضد العدو الصهيونى، ورائعته "حكايات الغريب" التى تحولت إلى فيلم سينمائى متميز.

ولا يفوتنا اسم الراحل صالح مرسى الذى أبدع للأدب والدراما حكايات خالدة تروى لنا بطولات رجال المخابرات فى أعماله (رأفت الهجان- دموع فى عيون وقحة – الحفار- الصعود إلى الهاوية ). 

ثم يأتى الفنان التشكيلى أحمد نوار الذى قضى عمره دائرا فى فلك فترة تجنيده وسجلها فى معظم أعماله الفنية، وكيف حول ريشته الفنية إلى بندقية بعد أن التحق بسلاح القناصة أثناء حرب الاستنزاف واستطاع قنص 15 صهيونيا فى عمليات بطولية سجلت فى صفحات الجيش المصرى ونال عن ذلك أوسمة البطولة العسكرية الفذة. وفى ذات السياق نتذكر المجند محمد عبد العاطى صائد الدبابات الذى دمر بمفرده 23 دبابة اسرائيلية فى حرب أكتوبر، ويسجل بطولاته فى الموسوعات العالمية، وهو من القلائل من غير خريجى كليات القوات المسلحة الذى نال نجمة سيناء.

الأسماء لم ولن تنتهى فى هذه الملحمة الدائمة بين الشعب وجيشه، فقد تنتهى الكتابة لكنها تتوقف وهى تختم باسم الدكتور خليل حسن خليل الذى تروى حياته سيرة شعب هذا الفلاح الذى تطوع فى الجيش خلاصا من قهر وظلم سادته من الباشاوات والإقطاعيين وهو حاصل على الابتدائية، ثم شجعه الفريق عبد المحسن مرتجى الذى كان يخدم تحت إمرته حتى حصل على ليسانس الحقوق وتخصص فى الاقتصاد وترك الجيش وهو ضابط احتياط لكى يحضر الماجستير والدكتوراة فى لندن.. جسد سيرته فى رواية تحولت لمسلسل "الوسية" لتحكى لنا عن جيش قال كلمته فى الوقت المناسب ونقل شعبه من وطأة الوسية إلى نسيم الحرية..

وتستمر الحكاية ولكل زمن سيناريو ...........


الخميس، 19 سبتمبر 2013

حبيبتى .. من تكون؟





"لا تكتبينى".. هكذا همست، ظللت تقاوم وأبيت أن أنصاع لها.. فمن حقى أن أكتب وعليها أن تسمع.. وإذا كانت جمرة فسأقبض عليها.. لا لأكتوى بها، بل لأطفئ صرخة كتمتها هى، وسارت فى روحى كبركان ثائر.

سأكتبك كما اعتدت أن أفعل، ولن تتعبنى الشوارع التى شوهتها أيادى الضياع، وعبثت بالملائكة الصغار ليسكنهم شيطان غادر، قضى على براءتهم وصاروا قتلة!

سأكتبك بوجوه الطيبين المكسوة بغلظة صنعتها أيام عيش ضنين.. سأكتبك بالبيوت الصامتة المسكونة بالخوف، وأبدا لن يجعلوك جثة هامدة بين جثث أطفال الشوارع الملقاة فى الطرقات والكهوف النتنة.

اقس كما تريدين، وسألتزم حبك وأسعى لرضاك، رغم بخل عطائك.. سأظل جديرة بك وستظلىن أنت صابرة علىّ.. وإن كانت ثمرة أيامك الموت فأنت الساق والجذر والأرض الطيبة، ويكفينى منك ذات لا تعرف الثورات الخائبة والأحلام الوهمية.

دعينى أذوب فيكى لأعرف من أنا.. أبدا لن تكونى مهزومة فى بئر الكرامة المنهوب والطفولة المشردة، والأموال القذرة، وأطنان القمامة فى الطرقات.

هكذا يريدونك.. لكن طوق نجاتك فى وجعك، فدعينى أضغط على الجرح واصرخى لنسمعها كلنا، حتى يلتصق القريب، ويدنو البعيد.. نجيب عن الأسئلة العصية.. ونفيق من نوم الأحزان.. ونلقى بأثقال الزمن المهزوم.. وإن كنت المحال، فدعينى أغامر كالعنقاء لنصنع الأسطورة.

من الظلم والفقر والجوع والأوجاع الدفينة والمعلنة سنشق فيضا جارفا يصحح الموازين المختلة.

كنت ولاتزالىن وستظلى أنشودتى فى الحب والعدل والحرية، فتعالى نعبر معا جدران الجسد المفتوح، لنكشف عن موطن العطر ونحيى الورود الذابلة العطشى، ونزيح الستار ليظهر النور.

ومرحى.. مرحى بالفراشات.. حتى إن جاءت لرشف العطر وإخماد نيرانك، فلن تخدعنا الألوان الزاهية عن رؤية الزيف فيهم.. وسنقتص من الخونة والظالمين والفاسدين. 

ستعبرين.. ثقى ستعبرين.

فهل لاتزالين تصرين ألا أكتبك؟!

الخميس، 15 أغسطس 2013

سيكولوجية مجتمع رابعة العدوية

 
أيها المارون بين الكلمات العابرة.. احملوا "أكفانكم" وانصرفوا
 
 

 
 لم أمسك نفسى متلبسة يوما بخطيئة الندم أو اليأس، ثقة فى الله ورحمته وحكمته فى أن ما يبتلينا به اختبار له هدف نبيل هو التقرب لذاته العلية، وكل ما علينا إعمال شئ من العقل وإدراك حقيقة كونية يقينية أننا ما خلقنا إلا لإعمار الأرض وإعلاء قيمة الحياة وعدم إهدارها بأى قول أو فعل أو نية.

لكننى لم أكن أتوقع أنه سيأتى على يوما أندم بعده أننى عشته من الأساس، وللأسف استطاع الإخوان المسلمون وأعوانهم أن يجعلون هذا اليوم أياما وليال تجرعت فيها أصنافا شتى من الألم والقسوة والمهانة الإنسانية التى تحيل قيمة الحياة التى بثها الله فى خلقه إلى مجرد أكفان نشيعها واحدا تلو الآخر، ليس بما تحمله من أجساد فحسب، بل أيضا بما تدفنه فينا من حب لتلك الحياة ومحاولة تحويلها إلى مقبرة جماعية للقيم  والمبادئ والأخلاق والوطنية.

وأندهش من هذا اللهث وراء العنف والتحريض عليه والحديث عن القتل كأننا فى منتدى ترفيهى تستحل فيه الدماء كجريان الماء، تحت مظلة الجهاد ونصرة الإسلام، وأى تفسير نفسى لتلك الظاهرة يصب فى أننا أمام حالة مرضية تتأصل فيها أعراض الخلل النفسى والسلوكى لمجموعات من الناس يحملون عداء صريحا وكاشفا للمجتمع الذى انتفض ضد فشلهم. وهى أحد صفات الشخصية غير السوية محدودة الذكاء، فهذا التجمع فى إشارة رابعة العدوية وميدان نهضة مصر ما هو إلا مصحة مفتوحة لمجموعات من المرضى تتستر بالإسلام لتعطى سلوكياتها الشاذة صفة الشرعية.

ورغم قسوة هذا التحليل الذى سنستدل عليه بدراسات وتوصيفات علمية، فإن المصريين بخفة دمهم أصبحوا يتندرون على ما يجرى، بوصف كل من يصدر سلوكا متناقضا كاذبا مزيفا وغير سوى بأنه بالتأكيد "قادم من رابعة العدوية أو إنه بحاجة للاحتجاز فيها حتى لا ينتشر مرضها بين المصريين.. شر البلية ما يضحك لكنه ضحك يشبه البكاء!
 
 

 
أسئلة مشروعة.. وإجابات مخيفة 

كم من الانتهاكات الدينية والأخلاقية والإنسانية لم تعهده مصر على حسب ما تعلمته من قبل.. فبأى قلب استطاع أحدهم أن ينظم مسيرة للأطفال وهم يرتدون الأكفان ويعلون أصواتهم بعبارات الموت والشهادة ودعوتهم لاستقبال الرصاص فى أجسادهم الصغيرة البريئة؟.. بل وصل التجرؤ بهم حد استخدام أطفال دور الأيتام وأطفال الشوارع فى المظاهرات والاعتصام برابعة العدوية وإعلانهم حركة ما يسمى "أطفال ضد الانقلاب"!!!!


ولا يعتقد البعض أن الهدف من وراء ذلك هو جذب التعاطف واستدرار المشاعر لموقفهم، أو حتى استخدام هؤلاء الصغار مع النساء كدروع بشرية، وهى أهداف معلنة، لكنها فى الحقيقة جزء من مشروعهم الجنهمى لتجريف عقول تلك الأجيال فى مراحل عمرية مبكرة وجعلهم وقود دائم لاستمرار أفكارهم.. وأجواء اعتصام رابعة بانغلاقه وعدم تواصله مع المجتمع وتلبسه شخصية الضحية وسط مجتمع الفساد والانقلاب على الشرعية والشريعة كما يدعون، يعتبر بيئة خصبة لتجنيد هؤلاء الأطفال فى صفوفهم فى وقت قياسى عما يتاح لهم بأساليبهم التنظيمية المتبعة داخل الجماعة.

 وفى السياق ذاته أى رحمة تسمح لآخرين بأحذ قرار لنقل مصابين بطلقات نارية إلى مسجد رابعة بدلا من المستشفيات لمحاولة إنقاذهم؟ وكل ما يفعلونه أمام هؤلاء الضحايا هو وقوف ما يسمون أنفسهم "أطباء رابعة" حولهم يضغطون على قلوبهم ويمررون بالونة أكسجين فى أفواه الجرحى وهم ينظرون باهتمام لكاميرات فضائيات الفتنة ويبعدون كل ما يعترض طريق العدسات حتى يقول أحدهم "البقاء لله" فيصرخ من حوله ضد القتلة السفاحين ويجعل ذلك مبررا لاستدعاء الخارج والتدخل الأجنبى لإنقاذهم، ويتكرر المشهد لتوضع الجثث فى صف ويرمون عليها صورة محمد مرسى وتلتقط الصورة للمتاجرة بها وإعلان البكائيات على الضحايا!!!!

وهنا يأتى الحديث عن حرمة الدم الذى عصمه الله، فحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة ذاتها، ويقول رسولنا الكريم: "والذى نفسى بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا"، فبأى وجه سيقابل الإخوان وجه الله وهم يتحدثون عن الدم بهذا التهوين ويعلنون أنهم جميعا "مشروع شهيد"؟.. ونذكر هنا بموقف الحسن بن على رضى الله عنهما حين تنازل عن الخلافة لمعاوية بن ابى سفيان حقنا لدماء المسلمين ولم تغويه شهوة الانتقام ممن قتله أبيه كرم الله وجهه وكم عانى أهل البيت وتكبدوا فى ذلك رقابهم أنفسهم إحياء لقيم الله " من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".

ولنا أن نزيد فى التساؤل: هل الشهادة غاية فى حد ذاتها أم أن الله ربطها بذاته وإعلاء دينه والدعوة له حين يأمرنا بالجهاد والاستشهاد فى سبيله وليس من أجل مكسب سياسى أو استثار بسلطة والحفاظ على جماعة أعلت عبر تاريخها أنها عقيدة وغاية فاقت ببعض الشواهد عقيدة الإسلام ذاته، حين يقول أحدهم: "اللهم أمتنى على الإخوان"، ويقولها مرشدهم فى جنازة أحد الخارجين من الجماعة داعيا: "اللهم إن صاحبنا مات على غير الإخوان فاغفر له"!!!

إن الإسلام حبب إلينا قيمة الشهادة فى سبيل الله ترغيبا فى الحياة وانتصارا لقيمها وليس سعيا للموت وإزهاق الأرواح كما يدعو تجار الدين من المتأسلمين، وذلك بالتجرد من الشهوات والمطامع الشخصية لنحب للآخرين ما نحب لأنفسنا فيشاع فى المجتمع الترابط والمحبة ليكون كالبنيان المرصوص كما يريد الله، وإلا لماذا دخل المسلمون الحروب والغزوات الأولى ليس بالتأكيد لنيل الشهادة فى ذاتها ولكن لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الله الحق العدل، ولكن المرابطون برابعة العدوية انحرفوا عن ذلك ليرفعون الأكفان من أجل إنقاذ أنفسهم واستعادة حكمهم الذى زال بأيديهم قبل أن يطلبه معارضوهم، وبالتناقض والكذب لا يتورعون عن القتل والتعذيب لمن يخالفوهم ويمارسون صنوف الإرهاب بترويع الآمنين ونشر الفوضى وقتل الأشجار ودفن المعارضين لهم فى حديقة الأورمان، ثم يقيمون الصلوات مدعين الخشوع والتقوى!!!!!
 
 
 الإخوانية .. مرض وراثى
 
ربما يظن البعض أن مظاهر سلوكيات مجتمع رابعة العدوية تجلت فقط فى اعتصامهم بعد 30 يونيو، وأن حالة الوهم الذى صنعوه ويعايشوه حتى الآن بعودة رئيسهم المعزول ودستورهم الباطل وليدة الصدمة التى تلقوها بإزاحتهم بعد عام واحد من حكم مصر، لكن حالة التهويم والخداع والكذب وإقصاء الآخرين والتسرع فى الأداء دون دراسة سمات لصيقة بتاريخهم على مدار أكثر من ثمانين عاما، وليس مبدأ السمع والطاعة إلا تخطيط ممنهج لإخضاع أعضاء جماعتهم لأفكار التنظيم مهما بلغت التضحيات، دون سؤال أو مجادلة.

فى كتابه "سيكولوجية الجماهير" يقول جوستاف لوبون "الفرد ما ان ينخرط فى جمهور محدد حتى يتخذ سمات خاصة ما كانت موجودة فيه سابقا, أو يمكن القول أنها كانت موجودة ولكنه لم يكن يجرؤ على البوح بها او التعبير عنها بمثل هذه الصراحة و القوة... كما أن روح الفرد تخضع لتحريضات المنوم المغناطيسى او الطبيب الذى يجعل شخصا ما يغطس فى النوم فان روح الجماهير تخضع لتحريضات وإيعازات المحركين والقادة الذين يعرفون كيف يفرضون ارادتهم عليها.. وفى مثل هذه الحالة فإن محركى الجماهير يعتبرون الجمهور قطيع لا يستطيع الاستغناء عن سيده، لذا يفرضون سطوتهم على الناس لدرجة اختفاء كل شىء ما عداهم، والغريب أن الجماهير تخضع لقائدها وترهن لديه كل شىء، عقلها ومالها وجسدها، فيتصرف فيها كيفما يشاء، لدرجة استعدادها للتضحية بمصالحها الشخصية وبعائلاتها إذا لزم الأمر".


من هنا نكتشف سر حالة الاستحضار الجمعى لجماهير رابعة العدوية مسلوبة الإرادة أو كما أطلقت عليها وزارة الداخلية "المخطوفون ذهنيا"، واندفاعهم نتيجة التحريض المستمر الممزوج بالتبشير ببلوغ الجنة لارتكاب الجرائم من قتل وترويع وقطع للطرق ورمى المولوتوف وحرق السيارات واقتحام مؤسسات الدولة والمنشآت العسكرية وغيرها، يفعلون كل ذلك وهم معتقدون أنهم قاموا بواجبهم الدينى والوطنى ويقابلون من قادتهم بالاستحسان والإثابة.

نفس هذه الممارسات وصفها الإخوان حين كانوا فى موقع المسئولية وإدارة شئون البلاد بالبلطجة والخروج عن القانون ومحاولة تعطيل القائمين على حكم البلاد وإفشالهم، بل زادوا أنها مؤامرة ممنهجة لإسقاط مرسى واتهامهم بالخيانة.. هذا السلوك يوصف مرضيا بـ"الهذاء" أو "بارانويا الاضطهاد" وهى حالة ذهنية يشك فيها المريض دائما فى نوايا الآخرين ويرتاب فى دوافعهم، ويعتقد أن الناس لا يقومون بتقديم خدماتهم أو مساعداتهم إلا لغاية فى انفسهم، فتنصرف عنه الناس، عندئذ تزداد شكوكه فيهم وتقوى عنده مشاعر الحقد والغضب عليهم، فهو يرى نفسه ضحية لتآمرهم عليه. وبمرور الوقت تتحول حالته إلى هذاء اضطهادى، فيعزو ما لديه من اختراعات وهمية وما أصابها من إخفاق إلى مضطهديه وكارهى الخير، ويضخم الأمور، ويتصرف بشكل عداونى.

وعادة ما تمتزج هذه الحالة بما يعرف بـ"الشخصية العصابية" التى تتصف بنقص النضج وعدم الكفاءة وعدم تحمل الضغوط والأنانية ونقص البصيرة واضطراب العلاقات الاجتماعية، وعدم الرضا، والحساسية النفسية خاصة فى مواقف النقد والاحباط. والشخصية العصابية تؤدى بصاحبها الى سوء التوافق النفسى، مما يؤثر تأثيرا سيئاً على قدرة الشخص على ممارسة حياة طبيعية مفيدة ويعوقه عن أداء واجبه كاملاً، ويعوقه عن الإستمتاع بالحياة.
 
 
 
 
على جانب الممارسة السياسية تفردت جماعة الإخوان كتنظيم دولى على مدار تاريخها بالغباء بحسب التعريف العلمى لمصطلح "الغباء"، لتكرارها نفس الأخطاء دون مراعاة السياق الزمنى والمراحل التاريخية التى تمر بها الشعوب، وبرزت هذه الصفة بعد وصولهم سدة الحكم فتنصلوا من وعودهم ومارسوا الكذب والاقصاء والاستبداد بسرعة زمنية رهيبة دون حد أدنى من الذكاء الاجتماعى والسلوكى وضربوا بعرض الحائط مطالب الناس وتطلعاتهم مهرولين بتمكين أنفسهم وجماعتهم من مفاصل الحكم واستبعاد كل ما عداهم حتى من ينتمون إلى نفس تيارهم من المتأسلمين.

وتخبرنا التعريفات العلمية لصفة الغباء مدى اتساقها مع العقلية الإخوانية سواء قبل 30 يونيو أو بعدها، ومن أبرز مواصفات الإنسان الغبى:

- هو الإنسان معدوم الخيال.
- لا يقبل أية فكرة جديدة لمجرد أنها تختلف عما عهده من أفكار.
- لا يقبل أن يستمع إلى الرأى الآخر لمجرد أنه مختلف عن رأيه.
- لا يرى من الآخرين سوى وجوههم ولا يحاول أن يرى روحهم.
- لا يتعلم من أخطائه مهما حدث أو فعل.
- يجادل فيما لا يحتاج مجادلة ويعتقد أنك أنت الغبى ولا تعلم شيئاً.
- يظن نفسه يملك مفاتيح و أجوبة ألغاز كل شىء حتى و لو كان شيئاً لا وجود له.


إننا أمام حقائق تؤكد أن ما يتجمعون فى رابعة العدوية فى عالم افتراضى صنعوه بأنفسهم ولأنفسهم وإن ضحوا فى سبيل ذلك بمن فى الأرض ومن عليها، فما ذنب هؤلاء الغلابة من الفقراء الذين يسوقوهم للموت وهم يبحثون عن خروج آمن لقياداتهم، لقد ثبت بالبرهان أنهم جماعة خارج الزمن والتاريخ، فليحملوا أكفانهم ويتركون هذا الوطن الذى بذلت فيه تضحيات كبرى ليبقى عبر آلاف السنين معتزا بكرامته لا يقبل السمع والطاعة مهما بلغ صبره على الشدائد.. هؤلاء الإخوان ومن يتبعهم لا يمتلكون من الوعى ولا من الوطنية ما يجعلهم يحافظون عليه ولا على أهله، ففى أى صفحات التاريخ وقف بعض المصريين يكبرون ويسجدون شكرا مثلما حدث حين أعلنت منصة رابعة خبر تحرك سفن أمريكية فى البحر المتوسط باتجاه مصر ظنا أنها ستوجه ضرباتها لبلدهم.. رفعت الأقلام وجفت الصحف وسقطت الأقنعة ...........


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر فى مجلة رؤية - ـ أغسطس 2013
 

الأربعاء، 24 يوليو 2013

إذا المرأة يوما أرادت الحياة !!!

 
"اللى ما يشلنى ورد على راسه ما استعناهوش جزمة  فى رجلى"
 
 
 
ثمة بذرة قمح فى الأرض
 تتأهب لتشق جدار الزمان
فلا تقف أمام سنابلها                                    
بالحب تحملها عجينا
وبالغدر تتلقاها خناجرا
إذا بدأت الست المصرية ثورتها بنشر ملاءة سريرها الحمراء فى البلكونة وكتبت عليها "ارحل" فقل لكل حاكم اذهب بغير سلام..
هكذا تحدثت مصر عن نفسها فى تلك الأمواج الهادرة من حرائر نساء مصر، الذين كتبوا صفحة جديدة فى تاريخ ما عرف من ثورات الأرض، فى وجه الخوف والترهيب والتهديد انطلقت فى كل شارع وحارة وقرية ومدينة زغرودة مدوية شقت عنان السماء على أنغام الفرح بعد أن عزف المصريون لحن العزة والصمود والكرامة فى 30 يونيو.. لترد المرأة المصرية على من ادعوا عليها العورة أنها هى الثورة.. ثورة ضد الاستبداد.. ثورة على الظلم.. بل ثورة على الثورة.
إنها مفردات حياة جديدة رأيتها فى تلك الوجوه من البنات والسيدات اللاتى تحولت ملامحهم المنهكة فى غمضة عين عذوبة وسعادة غامرة كست مصر كلها ولونتها بفرح لن ينتهى وجاء يوم الأربعاء الثالث من يوليو ليسكب على حياتنا ضياء ويكتب لشعبنا خريطة المستقبل وأن خير أجناد الأرض معهم فى كل بيت جنودا لحماية ثورتنا المجيدة حتى تكتمل، وتتأكد رسالة تلك العجوز التى جاورتنى فى الميدان وقالت لى "اللى ما يشلنى ورد على راسه ما استعناهوش جزمة  فى رجلى"
سنة كاملة تحملت فيها  مصر الكثير وفى القلب كانت النساء الذين تلقوا من كل صوب سهام الغدر سبا وقذفا وتحرشا وإيذاء بالقول والفعل والاستعداء فى زمن الاخوان وأعوانهم من تجار الدين. لكنهن كانوا على العهد ثابتين، فهذا الوطن مهما طال ليله وزاد سواده، به مكان للأحلام البسيطة المشروعة المعجونة بكد وعرق رجاله وشموخ نسائه بالصبر مرة وبالتحدى مرات.
ووراء كل الوجوه حكايات............
 
أمى
منذ أن وقعت أمى على استمارة تمرد وهى تدعو الله أن يحفظ شباب مصر، تجلس أمام التليفزيون تتابع شاشات الأخبار الواحدة تلو الأخرى وتتأكد يوما بعد يوم بحسها الفطرى وحدسها الذى لا يخيب أن مرسى راحل لا محالة، ورأيتها تجئ بعلم مصر وعلقته فى البلكونة بعد أن كتبت عليه "30 يونيو.. يوم الحرية" لكنها مع اقتراب المظاهرات ازداد خوفها خاصة بعد التهديدات التى أطلقها أنصار مرسى، ووجدتها تدعونى فى خجل ألا أنزل، وراحت فى بكاء محموم.. ووالله حينها لم أعلم هل تبكى على شقيقى محمد وشقيقتى رشا اللذين فقدناهم خلال العامين الماضيين فى حادثين لا يفصلهما سوى شهور قليلة وتخاف أن ألحق بهم، أم أنها تبكى على كل شهداء مصر منذ 25 يناير وتدعو فى كل صلاة لهم بالرحمة ولأمهاتهم بالصبر.. لم تتشبث كثيرا بموقفها حتى يوم الحشد العظيم ورأت بعينها الملايين فى الشوارع فقالت انزلوا والحديث لى ولأخى أحمد وأولادى وأولاد شقيقتى هاتوا حقكم وحق البلد كلها، وراحت تدعو "اللهم بلغنا رمضان من غير الاخوان".
 
أميمة
بعد خطاب المعزول مرسى فى استاد القاهرة حدثتنى صديقتى أميمة وهى منفعلة وتصرخ فى التليفون أنا هانزل يوم 30 يونيو وتستحلف بالله أنها لن تعود لبيتها مع ابنتيها حتى يرحل هذا الرجل الذى أساء لنا كما لم يفعل أعداؤنا على مر التاريخ، وراحت تصرخ سأقول لكل جيرانى وأصحابى وأهلى وترجونى أن أدعو كل من أعرفهم للنزول حتى لوكان الثمن حياتنا، فالموت فى لحظة كما تقول أهون من الموت كمدا فى زمن هؤلاء الأغبياء الذين يذهبون بنا إلى الجحيم وهم كالعميان لا يرون غير أنفسهم وأهلهم وعشيرتهم".
 
هيا وأدهم ومحمد ووعد
ابنتى هيا منذ أن انتهت من امتحانات آخر العام فى الصف الأول الاعدادى كان جدول أعمالها توزيع استمارات تمرد وجمع التوقيعات فى شوارع باب الخلق، وزملائها بالمدرسة والمدرسين وكم كانت تفرح عندما يزداد لديها العدد وكلما تقوم بتصوير نسخ جديدة لاستمارة سحب الثقة من مرسى العياط يقوم صاحب محل التصوير بإهدائها أعدادا تزيد عما تطلب تشجيعا لها، أما أدهم ابن شقيقتى وهو فى الخامسة من عمره فيهب نفسه للهتاف يوميا فى البلكونة "مصر مصر تحيا مصر" "الشعب يريد اسقاط النظام" "هو يمشى مش هنمشى" "ثوار أحرار هنكمل المشوار" ويرد ورائه أبناء الجيران، وحين تنقطع الكهرباء يسارع بالقول "الله يخرب بيتك يا مرسى".. محمد ابنى الصغير ذو العامين يردد وراء أدهم الهتافات لكنه كاد أن يكسر شاشة التليفزيون أكثر من مرة فكلما يرى صورة مرسى يسارع بقذفها بأى شئ جواره "شبشب، عصا، مفاتيح، موبايلات.. .." أما وعد أخت أدهم التى لم تتعلم الكلام بعد لا تردد سوى مصر مصر وترفع يديها الصغيرتين وهى تمسك علمها الصغير فى فرح وابتسامة بريئة شفافة وتتوجه دائما بوجهها نحوى كأنها تقول لى "نريد أن نفرح ونظل نفرح دائما".. اللهم اجعل هذا البلد آمنا فرحا بعزته وكرامته وحريته لأبنائه جميعا.

 
حتشبسوت التحرير
وسط دائرة الحرائر كما يقال عنها فى التحرير تستوقفك تلك الجميلة التى ارتدت زى القوات الخاصة بالشرطة ووقفت تنظم حركة دخول السيدات إلى المنطقة المخصصة لهم أمام المنصة، وكيف تقف على أهبة الاستعداد للتعامل بكل حزم مع أى أحد يحاول كسر النظام، نظرت إليها وهى تدعونى لسرعة الدخول حتى لا أعطل الممر للنساء القادمات من خلفى، فإذا بوجه حتشبسوت يطل أمامى كما رأيتها على جدران معبد الدير البحرى فى الأقصر صحيح أنها ارتدت زى الرجال لتعطى لنفسها هيبة الفرعون لكن ذلك لم يستطع أن يخفى فيها جمال المرأة المصرية التى تتوارثها أجيالا بعد أجيال.. وها هى حتشبسوت التحرير تدير دولة الميدان وتحرك اللجان الشعبية من الشباب الذين اصطفوا متماسكى الأيدى لحماية دائرة النساء وتأمرهم حين يزداد العدد بتوسيع الدائرة والرجوع للخلف وعلى الفور تأتى التلبية بتحرك عسكرى منتظم وعيونهم على القائدة حتى تشير بالتوقف.
 
 
تمردوا تصحوا
حين دعت حركة تمرد للنزول يوم 30 يونيو وجهت الدعوة للجمعية العمومية للشعب المصرى بأكملها والاحتشاد فى كل ميادين المحروسة بكل المحافظات، ولم تنسى فى ذلك أهلنا من كبار السن الذين ربما لا يستطيعون المشى أو لا يتحملون الزحام فطلب منهم أعضاء تمرد أن ينزلوا أمام بيوتهم بأعلام مصر، يعلنون موقفهم أمام العالم، لكن أهلنا الأطهار كانوا سباقين فى الاحتشاد والالتحام بالشباب وكأن الله زرع فيهم صحة وحيوية نبعت ولا شك من صدق مشاعرهم  وقوة رفضهم ألا تضيع مصر فى يد جماعة خائبة ورئيس فاشل وبحت أصواتهم من الهتاف فى كل مكان.. ولا أنسى وجه تلك السيدة التى تتعدى السبعين بملامحها الريفية حين جلست على الرصيف بجوار عدد من النساء كبيرات السن، وحين جاءت حفيدتها تطمئن عليها وتقول لها "عاملة ايه يا ستى" ردت ببراءة طفولية "عايزة أعلق واحدة زى دى" مشيرة إلى الشارة الحمراء التى علقتها على صدرى المكتوب عليها "ارحل" فعلى الفور خلعتها وعلقتها حول رقبتها وكم كانت فرحتها رغم كلمات الرفض لقبولها لكنها فى ذات الوقت ظلت تتحسسها وتنظر إليها كأنها تقول فى نفسها الآن أصبح لدى شارة كباقى الناس.
 وجوه تملؤها الابتسامة والأمل إنها ثورة شعب حقيقى تلاحمت أوصاله على كلمة واحدة وهدف واحد أن يرحل الطامعون تبقى مصر لأهلها جميعا أهلها الذين وزعو من البلكونات والشبابيك زجاجات المياه والعصائر وفتحت أبوابهم رحبة آمنة إذا سألهم أحد الدخول لقضاء حاجة أو الراحة قليلا .. ومع الزحام الشديد اضطر بعض كبار السن للجلوس أمام البيوت خاصة السيدات وأمسكوا بالأعلام وقد مررت على تجمعات كثيرة منهم يجلسون صامتون وكلما تمر عليهم مسيرة أو تجمع يرفعون الأعلام مرددين "ارحل ارحل"..
 
كلام ستات
بعد عصر يوم الثلاثاء  فى مليونية الثانى من يوليو تجمعت بعض السيدات قبل أن يمتلئ الميدان وراحوا يتحدثون عن بيان القوات المسلحة ومهلة الـ 48 ساعة قبل إعلانه خارطة المستقبل تحول الحديث إلى كلام نسائى ساخر وعلت أصواتهم بالضحك فاقتربت منهموسمعت احداهن تقول "والله لو مشى مرسى ندر عليا دستين شمع لأم هاشم والحسين" وتقول أخرى "ده راجل كداب أمى راحت تجيب المعاش بتاعها 150 جنيه وهو قال المعاشات 400 جنيه لقت المبلغ بقى 175 جنيه بس يعنى زودهم 25 بس" فردت عليه احدى السيدات بتهكم "ولا تزعلى نفسك بكرة اللى ما ناكله فى هناهم هناكله فى عزاهم" فانفجر الجميع بالضحك.. وهمت واحدة تحكى "أنها يوم الخميس اللى فات اقتربت من زوجها واحتضنته وسألته انت راضى عنى يا حبيبى فرد  طبعا يا عمرى، فرفعت يديها للسماء تدعو الله أن يخلصنا من مرسى والاخوان وتسترسل قائلة انى اللى جوزها يبقى راضى عنها ربنا يستجيب دعاها" حينها علقت احداهن بمكر انثوى "يغور مرسى والاخوان المهم الراجل يبقى راضى يا ختى" فدخل الكل فى نوبة ضحك حتى دمعت عيونهم من كثرة التعليقات المتلاحقة ورد كل منهم على الأخرى.
 
 
سيدات فى الجنة
لم يكمل الفريق عبدالفتاح السيسى بيانه يوم الأربعاء الثالث من يوليو حتى انفجرت أمواج من البشر بالتهليل والصراخ بعد تأكدهم من رحيل مرسى ونظامه، وافترشت الأرض بأعلام مصر التى انهالت عليها جباه المصريين شكرا لله على فضله وكرمه وحفظ مصر آمنة مستقرة.
حينها تعالت الأصوات لدعوة الجميع بقراءة الفاتحة على أرواح شهدائنا الأبرار، وإذا بالسيدة الفاضلة سامية الشيخ والدة الشهيد محمد الجندى تتلبسنى هذه الأم الباسلة العظيمة التى تحملت ما يفوق طاقة البشر مثلها ككل أمهات شهدائنا جميعا صبر الله قلوبهم، لكن السيدة سامية وقفت بجسارة وثقة فى قلبها المفطور على وحيدها دخلت فى صراع مع نظام مرسى الفاشل الفاشى حين ضنوا على ابنها بفضل الشهادة وراحو يكذبوا وقائع تعذيبه والتنكيل به من اجل رفضه اعلان المعزول غير الدستورى.. فى هذه اللحظة تمنيت أن أطبع على جبينها ويديها قبلة اعتذار عما عانته منذ فقد محمد ووقوفها فى الشوارع وعلى المنصات من أجل قضيتها قضية مصر كلها.. فلتسامحينا يا سيدتى ولتسامحونا يا كل أمهاتنا الأطهار الآن نعلن فرحنا لا  لأننا نسينا أجمل ولاد الحياة أولادكم وإخواننا بل لأننا ارتشقنا جرعة أمل أن حقهم حتما سيعود وأن ما استشهدوا من أجله سيتحقق مهما تكبدنا وعانينا .. تحية إعزاز لأمهات أبناء الجنة والفاتحة للأحياء عند ربهم فاللهم ارزقنا نعمة الشهادة بعد أن رزقتنا فضل الفرح لمصر وأهلها وأدم علينا هذا الفرح يا أرحم الراحمين.
ومن اليوم سأظل أردد: "إن الثورة تولد من رحم الأفراح".. أفراح القلوب التواقة للحرية.. أفراح العلامات الكبرى على طريق الكرامة.. أفراح أصحاب التضحيات الذين وفوا وصدقوا.. أفراح العلم الواحد والنشيد الواحد والشعب الواحد.
لنفرح ونفرح.. ونقبض على الفرح لا من أجل سلطة تزول ولكن من أجل وطن لابد وأن يدوم ويستمر بالأمل والبناء والعمل .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر فى مجلة رؤية - يوليو 2013