الخميس، 13 مارس 2014

النخيل يعود إلى الجنة




اجمع أوراقك يا فتى، وقف بشموخ على باب الجنة..

أشر على ما تشاء، ووزع ابتساماتك على الغرباء، فقد حانت ساعة اللقاء، وآن للنخل الذى خرج مع أدم أن يعود إلى حيث كان..
وحين تمر على الخليل فى سدرة المنتهى، اذكرنا فى عيون الأطفال من حوله، فقد أضحينا من بعدك يتامى..
وحين تشرب ماء الكوثر من كف الحبيب المصطفى، ادعو لنا الله أن يهبنا القدرة على تحمل عطش فراقك..
أراك الآن بين الأحبة.. أبطالك المجاهدون هبوا لاستقبالك فكيف هى وجوه الحسين وجده وأبيه، وهل أهداك صلاح الدين عباءته التى نزل بها القدس أم سيفه فى معركة حطين، وربما رحت تقبل رأس ناصر فوجدته فى حضرة عبدالمنعم رياض والشاذلى ونور الدين..
والله لن أبكيك يا رجل مر على زماننا ليمنحنا أجمل ما فينا، وهل مثلك يا دكتور عزازى تكتبه كلمات الرثاء، نحن نرثى حالنا ونصبر أنفسنا بأننا كنا يوما رفقاء..

لى من بين أوراقك صفحات، أجمعها الآن لا للذكرى فمثلك لا يطويه النسيان، ولكن لأتدثر بها من برد الزمان، الذى اعتاد أن يعاندنى ويخطف من زهور عمرى الواحد تلو الآخر..

الصفحة الأولى
ورقة قديمة شبه ممزقة أخرجها لى حمدى صباحى من محفظته، وراح يقرأ لى تلك القصيدة عن الشهيدتين لطيفة وفتحية، اللتان سقطتا فى معركة التزوير ضد حمدين صباحى ببلطيم أثناء انتخابات برلمان 1995، وبينما يتلو الكلمات انهمرت دموعى من روعة وجلال المشهد الذى لم أحضره، وبصفائه المعهود أهدانى حمدى الورقة، وهو يوصينى بها، لأنها النسخة الوحيدة المكتوبة بخط صاحبها الدكتور عزازى على عزازى، وكانت هذه أول مرة اسمع فيها اسمه فأحببته قبل أن أراه، فمن يكتب بمثل هذه الروح لابد وأنه يحمل قلبا من ذهب. فيما بعد حاول الدكتور عزازى أكثر من مرة استعادة تلك الورقة، لكننى لم أستجب، فكيف لى أن أفرط فى هدية حمدى حتى ولو لصاحبها الأصلى، أمسكها الآن وأشتم بلمسة يديكما عليها رائحة الجنة.

الصفحة الثانية
حادث أول يخطف الصديق الغالى صلاح عزازى وابنه، بينما تخوض الأخت الحبيبة كوكب محسن رحلة علاج شاقة بعد أن نجت من الموت، وينجو أيضا الدكتور عزازى وأسرته، وكانوا جميعا عائدين من قريتهم "أكياد" بالشرقية بعد أن حضروا حفل زفاف أحد الأقارب.. بعد عامين يغيب الموت أبو ابنتى هيا حمدى صباحى فى حادث آخر بالسعودية، ليلحق برفيق عمره صلاح عزازى، يبدو أنهما لم يحتملا الفراق، فجاء لقائهما سريعا.. أولعلهما كانا يجيبان على تساؤل صلاح جاهين: أجمل ولاد الحياة ليه بدرى بيموتوا؟ فى خضام هذه الأجواء توطدت علاقتى بالدكتور عزازى الشقيق الأكبر لصلاح، وكان لحمدى كذلك وللكثير من جيلهما، الذين وجدوا فيه رمزا وقيمة تعبر بصدق عن التجربة الناصرية، ولم يحيد طوال حياته عن مبادئها، ودفع من أجل ذلك تضحيات كبيرة، كان يدرك بشفافيته أنها لن تضيع حتى وإن لم يحصد هو ثمارها، فسيأتى جيل يكمل المسيرة ويحصد تاريخ طويل من النضال والكفاح من أجل حقوق الفقراء، ملح الأرض الذى كان هو أبهى حباته، الفلاح ابن الفلاح الذى ترتسم على وجهه علامات الصمود لثورة حلم بها وعاش يبشر بها، ولم يبخل الله عليه أن يحياها ويشارك فيها، وحين شعر أنها تحيد عن مسارها لم يتردد ولو للحظة فى التخلى عن أحد كراسى سلطتها كمحافظ للشرقية، ولم يرض أن يكون مشاركا فى نظام يرأسه رئيس إخوانى.. أى الرجال كنت يا دكتور عزازى ومن أى زمن جئت؟ الآن لا تحتاج الإجابة لأى اجتهاد..

الصفحة الثالثة
الرجل الذى يعشق أمه لا يمكن أن تخاف منه، تأمنه على روحك وأنت مطمئن، هكذا كان الدكتور عزازى قطعة من قلب أمه التى كان يهفو إليها كطائر سابح فى الملكوت الربانى، لكن كان يحفظ مواسم هجرته إليها، يقبل يديها ويجلس عند قدميها وينعس حين تمرر كفها على رأسه، وحين تمنعه المسئوليات عن الذهاب إليها فى الشرقية، يهاتفها ويظل بالساعات يحادثها فى أمور الدنيا من شرقها وغربها، يستأنس بفطرتها البرئية، ويسترشد بحكمتها، ويظل يغازلها كحبيبة بكلمات العشق والدلع، وفى أكثر من مرة أدعى أننى كشفت سره، فإذا به يعطينى التليفون لأسلم على أمنا الحبيبة –أم صلاح وعزازى- السيدة العفيفة التى كرمها الله بمنزلة الأولياء الصالحين، وابتلاها بفقد اثنين من أولادها وهى صابرة مستبشرة، هذا ما كان يجعله دائم السؤال على أمى التى دخلت فى الاختبار الصعب بعد وفاة أخى وأختى فى شهور قليلة، يوصينى بها ما حييت ويكرر على مسامعى أروع ما يعرف من الأدعية لها ولأمه، منوها دائما بأنهما سيكونا طريقنا إلى الجنة.. والآن تدخل أمه الحبيبة فى مصاب جديد بفقد ابنها البار الأعز والأكرم، فاللهم اسبغ عليها صبرا ورحمة بحق كل القلوب التى تعلقت بخير من أنجبت هى بين النساء.. وطب يا معلمى فى الفردوس.

الصفحة الرابعة
 كمركب تقاذفته الأمواج بين مد وجزر، كانت تجربة جريدة الكرامة التى بقدر ما حملت من آمال وطموحات، عانت إحباطات وعثرات، لكن فى كل الأحوال خرج كل من شارك فيها بأروع تجربة إنسانية يمكن أن يصادفها فى حياته، زملاء عمل ورفقاء نضال وأجيال حالمة، اختلفوا وتنازعوا وتشاجروا، لكنهم ظلوا فى غمرة كل ذلك متمسكون بروح المحبة والمشاركة التى جمعت بينهم ليس على طاولة العمل فقط، بل تقاسموا أيضا العيش والملح، وحملوا مع كل قضمة حلم وألم، ورشفوا مع كل شربة ماء أو شاى عبء وأمل. وسط ذلك كان عزازى فى فترة رئاسته لتحرير الكرامة ربان ماهر، حاول بكل ما استطاع من قوة بأسه وروعة صبره واحتماله، أن يحتوينا رغم اختلافاتنا الحادة المركبة، واندفاعات البعض منا، وهو فى الخلف يتحمل المسئولية فى وقت عصيب إداريا وماليا وسياسيا، وحين وصلت بعض الخلافات ذروتها وقمت مع بعض الزملاء بإعلان انسحابنا من العمل نتيجة إغفال الإدارة لبعض الحقوق المتراكمة، وشعورنا بعدم التقدير، غضب الدكتور من موقفنا وبادلنا عصيانا بعصيان، لكنه أبدا لم يكن قاسيا، متخذا موقف الأب المتشدد فى عقاب صغاره لكنه أبدا لا يستغرق فى الخصومة أو يستمرأها.. وها هى تمر السنوات وتظل فترة العمل معه هى الأروع والأجمل والأفضل، فيكفى أن يكون المرء منا بالقرب من رجل مثله، نختلف معه لكن لا نختلف عليه.

الصفحة الخامسة
بعد أزمة استقال على إثرها الدكتور عزازى من رئاسة تحرير الكرامة، وقع أخى محمد رحمه الله عليه فى أزمة صحية عنيفة، وظل فى غيبوبة لأكثر من شهر ونصف، لم يتوانى خلالها الدكتور عزازى رغم ما كان بيننا من خلاف حينها، فى تقديم يد المساعدة ومجهوداته التى لم تنقطع ليس للسؤال فقط بل أيضا بالاتصال بكل من يعرفهم من المسئولين لتحسين الخدمة المقدمة لمحمد فى العناية المركزة، وحين سمح لنا الأطباء بنقله لمستشفى آخر، وفر لنا الدكتور الفاضل عمرو حلمى مكانا بمستشفى محمود بعد اتصال الدكتور عزازى به، وبعد أيام تلقى أخى خلالها خدمة طبية عالية المستشفى، كان قضاء الله أكبر من محاولات إنقاذه، ربما حان وقت الشكر، لك ولصديقك الدكتور عمرو حلمى حفظه الله وفريقه الطبى، لكن المخلصين من أمثالك يا عزازى يا ابن البلد المعجون بطين البلد وطيبتها، لم تكن تنتظر جزاء أو شكرا، وأثق أنك حين تلتقى محمد فى الجنة سيشكرك بنفسه ولنفسه ولنا جميعا أنا وغيرى ممن وقفت إلى جوارهم فى ظروف عصيبة>

صفحة ليست أخيرة
كنت أظن أننى اعتدت تلقى سهام الموت المفاجئ ولم يعد عندى رصيد من الحزن على فقيد جديد، وها هى طعنة أخرى رشقت فى قلبى برحيلك، فرغم معرفتى بخطورة ودقة مرضك، وما عانيته قبل وبعد إجراء الجراحة، كنت أتمسك بجمرة أمل يطالعنى فيها وجهك بغتة سليما معافا، مثلما جئتنى فى الحلم أكثر من مرة، وكنت كعادتك تبادرنى بقبلة على رأسى.. لكن يبدو أن ذلك كان تمهيدا للوداع، الذى لم يمهلنى فيه القدر أن أقبل رأسك امتنانا وعرفانا.. وعزائى أنك الآن بصحبة الرائعين حمدى صباحى وصلاح عزازى وعماد هندى، وأعرف أنكم ستجتمعون بأبى وأخى محمد وأختى رشا، عليكم جميعا سلام من الله ومحبة من قلوب أفضتم عليها رصيدا وفيرا من ثمار نخيلكم يكفينا حتى اللقاء.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر فى جريدة صوت الأمة _ مارس 2014

الأحد، 9 مارس 2014

9 مارس .. هل أتاك حديث الشهيد؟




- لحظة الشهادة اختبار إنسانى للحفاظ على الكرامة

- تنتهى الأوطان بل الحياة كلها إذا غاب فرسانها وشهدائها

- الرفاعى يثأر لقائده عبدالمنعم رياض ويمتطى حصان الشهادة بعد استرداد الأرض 


كالذى أتى عليه حين من الدهر يروى لنا الشهيد كيف اصطفاه الله كآدم، عندما شكله من الطين وتركه أربعين عاما حتى نفخ فيه الروح وأسكنه الجنة، تماما كالحى عند ربه تنتظره روحه من الأبد، لا تخطئه ولا يخطئ هو مشواره حتى ساعة الشهادة.. تلك إرادة الله من فوق سبع سموات، من أول الخلق كتبت قبل 9 مارس ذكرى استشهاد البطل عبدالمنعم رياض، وستظل إلى أن تقوم الأرض بمن عليها.

وعجب من زمان هالك جرؤنا فيه أن نسأل: من هو الشهيد؟

من نسل إلى نسل بقيت ذرية آدم، ومن كرامة إلى كرامة ستظل ذرية الشهيد، فالذين يرزقهم الله ويفرحهم وينزع عنهم الخوف والحزن، هم صفوة مختارة آتين لرسالة وقيمة، يضرب بها الله الأمثال للناس ويعلمهم كيف يرفعهم عن بعض درجات، والقيمة العليا فى الإنسان هى الكرامة، لذلك مهما اختلفنا على خلفيات الأبطال وسيرهم، سنجد أن لحظة الشهادة هى اختبار للبطل فى الحفاظ على كرامته.. من الدعوة إلى الله والجهاد ضد أعداء دينه.. ومن استرداد الأرض والثأر للشرف، ومن الانتصار للعزة والكبرياء، ومن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، تأتينا حكايات الشهداء سيرا للأديان والأوطان وتكريما لأرقى ما خلقه الله فى الإنسان.. 

وهو ما كان يستقر فى وجدان الفريق الشهيد عبدالمنعم رياض، وعبر عنه بعد حرب 1967 بقوله: "لن نستطيع أن نحفظ شرف هذا البلد بغير معركة، وعندما أقول شرف البلد، فلا أعنى التجريد وإنما أعنى شرف كل فرد.. شرف كل رجل وكل امرأة"



لذلك يخطئ من يظن أن الاستشهاد نهاية، بل هو كما فى السماء بداية لحياة جديدة، لكنها على الأرض كحصان ينزل من عليه فارسه ليمتطيه غيره، مثلما يخبرنا محمود درويش:

لماذا تركت الحصان وحيدا؟ 

ـ لكى يؤنس البيت يا ولدى.. فالبيوت تموت إذا غاب سكانها 

وهكذا هى الأوطان، بل الحياة كلها، تنتهى إذا غاب فرسانها وشهدائها.. 

يوم الشهيد

ما خرج الشهداء إلا لإعلاء قيمة أو مطلب مشروع أو حق غائب سعوا لاسترداده، لذلك لا تكريم ولا احتفال ولا ذكرى تنفعنا، طالما بقيت الحقوق غائبة والقيم تائهة والضمائر متلونة، فتكريم الشهداء يكون بتحقيق ما استشهدوا من أجله، وهذا أكبر درس نستدعيه اليوم 9 مارس فى ذكرى استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان القوات المسلحة، القائد الذى خاض معركة كرامة من أجل استرداد أرض سيناء بعد هزيمة الجيش المصرى من اسرائيل عام 1967، والثأر لآلاف الشهداء ممن سقطوا فى المعارك أو اغتيلوا غدرا بعد وقوعهم فى الأسر.

فبعد تكليف الرئيس جمال عبد الناصر للفريق رياض بقيادة الأركان عقب الهزيمة، كانت المهمة الأولى استعادة الثقة للجيش، بدأها بعد أيام قليلة بعمليات نوعية، مثل معركة "رأس العش" حيث قامت مجموعة قتالية من قوات الصاعقة بوقف تقدم الاسرائيليين نحو بورفؤاد ومنع احتلالها، وعلى إثرها انطلقت شرارة حرب الاستنزاف التى كبدت الصهاينة خسائر جسيمة، ومنها تدمير المدمرة "إيلات" فى 12 أكتوبر 1967، وإسقاط طائرات ومهاجمة مواقع استراتيجية للعدو فى الضفة الشرقية للقناة.

بالتوازى مع تلك العمليات قام رئيس الأركان بإعادة بناء العنصر البشرى، وتدريب الجنود على فنون قتالية جديدة، بعضها كان استثنائيا، فكيف لرجل أن يقف أمام دبابة يهاجمها ويدمرها، هذا ما أحدثه الفريق رياض بتدريب جنود المدرعات والمشاه على ذلك، وتجلى ذلك فى حرب أكتوبر، عندما قنص الجنود المصريون مئات الدبابات الاسرائيلية، ومن بينهم الرقيب محمد عبدالعاطى الذى لقب بـ"صائد الدبابات"، وحصل على نجمة سيناء لتمكنه من تدمير 23 دبابة.

وهكذا صنع الفريق رياض أسطورته، عبر رحلة كفاح طويلة اتبع فيها منهجا علميا ليس فى تحصيل العلوم العسكرية فحسب، بل أيضا فى بناء ذاته وتعظيم قدراته الشخصية والقتالية، التى جعلته صاحب فلسفة استقت من منابعها الأكاديميات العسكرية داخل وخارج مصر، وتقلد على إثرها مناصب وأوسمة عديدة، قال هو عنها: لا أصدق أن القادة يولدون، إن الذى يولد قائدا هو فلتة من الفلتات التى لا يقاس عليها كخالد بن الوليد مثلا، ولكن العسكريون يصنعون، يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة. إن ما نحتاج إليه هو بناء القادة وصنعهم، والقائد الذى يقود هو الذى يملك القدرة على إصدار القرار فى الوقت المناسب وليس مجرد القائد الذى يملك سلطة إصدار القرار".

وفى الوقت المحدد جاء القرار كما يخبرنا اللواء حسام سويلم أحد شهود العيان فى استشهاد الفريق رياض، الذى واصل بناء الخطط وتصعيد العمليات فى حرب الاستنزاف، ووضع القواعد الأولية لتدمير خط بارليف التى طورت فيما بعد بالخطة "بدر" فى حرب أكتوبر، وبالفعل نجحت هذه الخطوات فى تحويله من خط دفاع إلى منطقة اشتباكات، وصلت ذروتها يوم 8 مارس 1969، حين أشرف رئيس الأركان على عمليات ضرب المدفعية الاسرائيلية بشراسة على خط بارليف، وأوقع بها خسائر جسيمة، وصلت بحسب التقديرات إلى تدمير مايقرب من 60% من القدرات القتالية لقوات العدو فى تلك المنطقة.

وفى صبيحة اليوم التالى جاء النداء ويقرر القائد أن يكون وسط جنوده على جبهة القتال، وبحسب اللواء سويلم الذى كان فى ذلك اليوم فى وحدته التابعة لسلاح المدفعية بمستشفى هيئة قناة السويس بالاسماعيلية، اختار الفريق رياض المعبر 6 بموقع لسان التمساح الذى شهد أشرس المعارك فى اليوم السابق، وهبط بطائرته الهليكوبتر هناك، وهو ما استرعى انتباه الجنود الاسرائيليين، وشعروا أنه ربما تجهيزا لعمليات مصرية جديدة، فبادروا بضرب الموقع بقذائف الهاون التى أصابت إحداها الدشمة التى احتمى بها الفريق رياض، فيما أسماها العدو فيما بعد "الضربة الذهبية" وتمت إصابته ونقل إلى مستشفى الهيئة، وكان قضاء الله أكبر من محاولات إنقاذه.


الشهادة اختيار

بعد أن ترجل الفارس، كانت هذه الواقعة بداية لمعركة كرامة جديدة، وامتطى جواده بطل شجاع، ليس للثأر من الصهاينة الذين قضوا على قائد المعركة وسط جنوده، وهى هزة عنيفة لجيش لازال يعيد بناء نفسه وتطوير قدراته، لكن الهدف كان أكبر، فأفضل وسيلة للانتقام كانت بالنسبة لرجال رياض فى بلوغ أهدافه وتكملة مشواره وتحقيق ما استشهد من أجله..

يقول اللواء حسام سويلم جاء الرد على استشهاد الفريق رياض سريعا وتحديدا فى اليوم التالى حين قام العقيد أركان ابراهيم الرفاعى قائد "المجموعة 39" صاعقة، بعبور بحيرة التمساح والوصول إلى الموقع الذى انطلقت منه القذائف نحو الفريق رياض، ودمره مع رجاله بالكامل وأبادوا كل من فيه من جنود العدو، وكانت وحدة اللواء سويلم فى هذه العملية مكلفة بتأمين رجوع أفرادها، وعادوا جميعا سالمين. وتوالت ضربات الرفاعى الذى استشهد فى معرك ثغرة "الدفرسوار" عقب انتصار أكتوبر 1937، بعد أن ثأر لقائده بتحقيق ما أراده وتم استرداد أرض سيناء من المغتصب الصهيونى.

هكذا هى رحلات الشهداء، عبور من هدف إلى آخر لتكتمل الرسالة، والرسالة الآن فى 2014 كما يراها اللواء سويلم، هى حرب كرامة جديدة ضد من أرادوا تفتيت هذا الوطن، وتغيير هويته والتفريط فى تضحيات أبنائه عبر تاريخه الطويل، مشيرا إلى أن مصر تواجه حربا من جماعة الإخوان وأعوانها، وأن الانتصار فيها لن يأتى إلا بتعميق قيم الانتماء والفداء من أجل الحفاظ على وحدة الوطن وتماسكه.

فى ذات السياق جاءت كلمات اللواء طلعت مسلم مؤكدا أن الاحتفال بيوم الشهيد لا يكون عن طريق الأغانى والبرامج الوثائقية التى تحكى واقعة وتسرد تفاصيلها وحسب، لكن الأمر يحتاج إلى استعادة قيم الشهادة ودلالاتها، من حب الوطن والتعاون والعمل المشترك، فالشهادة ليست هدفا لذاتها، بل هى قيمة اجتماعية وانسانية جعلت أصحابها يضحون بأنفسهم، وعلينا أن نمسك بجمرة تحقيقها، ويخضع للمحاسبة والعقاب كل من يقف عثرة أمام ذلك. 

ويضيف مسلم أن الاهتمام بأسر الشهداء هو أبلغ تكريم لهم، ولا يكون ذلك بالتعويضات المالية، بل الأمر يحتاج إلى آليات أكبر بتعظيم دور الرعاية الشعبية، من خلال مؤسسات أهلية تكون على تواصل حقيقى بأبناء وآباء وأمهات وزوجات الشهداء، ويشاركوهم فى أنشطة اجتماعية وثقافية، وجولات شعبية يتم فيها بالتعريف بمآثر التضحيات التى قدمها هؤلاء الشهداء، ويمكن البدء بجماعات صغيرة فى كل قرية أو مدينة أو حى به شهيد، وأشار أيضا أن هذه الخطوات من شأنها إبراز أسماء لا حصر لها من قوائم الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن ولا يعرف عنهم أحدا شيئا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر فى جريدة التحريرمارس 2014