الخميس، 15 أغسطس 2013

سيكولوجية مجتمع رابعة العدوية

 
أيها المارون بين الكلمات العابرة.. احملوا "أكفانكم" وانصرفوا
 
 

 
 لم أمسك نفسى متلبسة يوما بخطيئة الندم أو اليأس، ثقة فى الله ورحمته وحكمته فى أن ما يبتلينا به اختبار له هدف نبيل هو التقرب لذاته العلية، وكل ما علينا إعمال شئ من العقل وإدراك حقيقة كونية يقينية أننا ما خلقنا إلا لإعمار الأرض وإعلاء قيمة الحياة وعدم إهدارها بأى قول أو فعل أو نية.

لكننى لم أكن أتوقع أنه سيأتى على يوما أندم بعده أننى عشته من الأساس، وللأسف استطاع الإخوان المسلمون وأعوانهم أن يجعلون هذا اليوم أياما وليال تجرعت فيها أصنافا شتى من الألم والقسوة والمهانة الإنسانية التى تحيل قيمة الحياة التى بثها الله فى خلقه إلى مجرد أكفان نشيعها واحدا تلو الآخر، ليس بما تحمله من أجساد فحسب، بل أيضا بما تدفنه فينا من حب لتلك الحياة ومحاولة تحويلها إلى مقبرة جماعية للقيم  والمبادئ والأخلاق والوطنية.

وأندهش من هذا اللهث وراء العنف والتحريض عليه والحديث عن القتل كأننا فى منتدى ترفيهى تستحل فيه الدماء كجريان الماء، تحت مظلة الجهاد ونصرة الإسلام، وأى تفسير نفسى لتلك الظاهرة يصب فى أننا أمام حالة مرضية تتأصل فيها أعراض الخلل النفسى والسلوكى لمجموعات من الناس يحملون عداء صريحا وكاشفا للمجتمع الذى انتفض ضد فشلهم. وهى أحد صفات الشخصية غير السوية محدودة الذكاء، فهذا التجمع فى إشارة رابعة العدوية وميدان نهضة مصر ما هو إلا مصحة مفتوحة لمجموعات من المرضى تتستر بالإسلام لتعطى سلوكياتها الشاذة صفة الشرعية.

ورغم قسوة هذا التحليل الذى سنستدل عليه بدراسات وتوصيفات علمية، فإن المصريين بخفة دمهم أصبحوا يتندرون على ما يجرى، بوصف كل من يصدر سلوكا متناقضا كاذبا مزيفا وغير سوى بأنه بالتأكيد "قادم من رابعة العدوية أو إنه بحاجة للاحتجاز فيها حتى لا ينتشر مرضها بين المصريين.. شر البلية ما يضحك لكنه ضحك يشبه البكاء!
 
 

 
أسئلة مشروعة.. وإجابات مخيفة 

كم من الانتهاكات الدينية والأخلاقية والإنسانية لم تعهده مصر على حسب ما تعلمته من قبل.. فبأى قلب استطاع أحدهم أن ينظم مسيرة للأطفال وهم يرتدون الأكفان ويعلون أصواتهم بعبارات الموت والشهادة ودعوتهم لاستقبال الرصاص فى أجسادهم الصغيرة البريئة؟.. بل وصل التجرؤ بهم حد استخدام أطفال دور الأيتام وأطفال الشوارع فى المظاهرات والاعتصام برابعة العدوية وإعلانهم حركة ما يسمى "أطفال ضد الانقلاب"!!!!


ولا يعتقد البعض أن الهدف من وراء ذلك هو جذب التعاطف واستدرار المشاعر لموقفهم، أو حتى استخدام هؤلاء الصغار مع النساء كدروع بشرية، وهى أهداف معلنة، لكنها فى الحقيقة جزء من مشروعهم الجنهمى لتجريف عقول تلك الأجيال فى مراحل عمرية مبكرة وجعلهم وقود دائم لاستمرار أفكارهم.. وأجواء اعتصام رابعة بانغلاقه وعدم تواصله مع المجتمع وتلبسه شخصية الضحية وسط مجتمع الفساد والانقلاب على الشرعية والشريعة كما يدعون، يعتبر بيئة خصبة لتجنيد هؤلاء الأطفال فى صفوفهم فى وقت قياسى عما يتاح لهم بأساليبهم التنظيمية المتبعة داخل الجماعة.

 وفى السياق ذاته أى رحمة تسمح لآخرين بأحذ قرار لنقل مصابين بطلقات نارية إلى مسجد رابعة بدلا من المستشفيات لمحاولة إنقاذهم؟ وكل ما يفعلونه أمام هؤلاء الضحايا هو وقوف ما يسمون أنفسهم "أطباء رابعة" حولهم يضغطون على قلوبهم ويمررون بالونة أكسجين فى أفواه الجرحى وهم ينظرون باهتمام لكاميرات فضائيات الفتنة ويبعدون كل ما يعترض طريق العدسات حتى يقول أحدهم "البقاء لله" فيصرخ من حوله ضد القتلة السفاحين ويجعل ذلك مبررا لاستدعاء الخارج والتدخل الأجنبى لإنقاذهم، ويتكرر المشهد لتوضع الجثث فى صف ويرمون عليها صورة محمد مرسى وتلتقط الصورة للمتاجرة بها وإعلان البكائيات على الضحايا!!!!

وهنا يأتى الحديث عن حرمة الدم الذى عصمه الله، فحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة ذاتها، ويقول رسولنا الكريم: "والذى نفسى بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا"، فبأى وجه سيقابل الإخوان وجه الله وهم يتحدثون عن الدم بهذا التهوين ويعلنون أنهم جميعا "مشروع شهيد"؟.. ونذكر هنا بموقف الحسن بن على رضى الله عنهما حين تنازل عن الخلافة لمعاوية بن ابى سفيان حقنا لدماء المسلمين ولم تغويه شهوة الانتقام ممن قتله أبيه كرم الله وجهه وكم عانى أهل البيت وتكبدوا فى ذلك رقابهم أنفسهم إحياء لقيم الله " من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".

ولنا أن نزيد فى التساؤل: هل الشهادة غاية فى حد ذاتها أم أن الله ربطها بذاته وإعلاء دينه والدعوة له حين يأمرنا بالجهاد والاستشهاد فى سبيله وليس من أجل مكسب سياسى أو استثار بسلطة والحفاظ على جماعة أعلت عبر تاريخها أنها عقيدة وغاية فاقت ببعض الشواهد عقيدة الإسلام ذاته، حين يقول أحدهم: "اللهم أمتنى على الإخوان"، ويقولها مرشدهم فى جنازة أحد الخارجين من الجماعة داعيا: "اللهم إن صاحبنا مات على غير الإخوان فاغفر له"!!!

إن الإسلام حبب إلينا قيمة الشهادة فى سبيل الله ترغيبا فى الحياة وانتصارا لقيمها وليس سعيا للموت وإزهاق الأرواح كما يدعو تجار الدين من المتأسلمين، وذلك بالتجرد من الشهوات والمطامع الشخصية لنحب للآخرين ما نحب لأنفسنا فيشاع فى المجتمع الترابط والمحبة ليكون كالبنيان المرصوص كما يريد الله، وإلا لماذا دخل المسلمون الحروب والغزوات الأولى ليس بالتأكيد لنيل الشهادة فى ذاتها ولكن لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الله الحق العدل، ولكن المرابطون برابعة العدوية انحرفوا عن ذلك ليرفعون الأكفان من أجل إنقاذ أنفسهم واستعادة حكمهم الذى زال بأيديهم قبل أن يطلبه معارضوهم، وبالتناقض والكذب لا يتورعون عن القتل والتعذيب لمن يخالفوهم ويمارسون صنوف الإرهاب بترويع الآمنين ونشر الفوضى وقتل الأشجار ودفن المعارضين لهم فى حديقة الأورمان، ثم يقيمون الصلوات مدعين الخشوع والتقوى!!!!!
 
 
 الإخوانية .. مرض وراثى
 
ربما يظن البعض أن مظاهر سلوكيات مجتمع رابعة العدوية تجلت فقط فى اعتصامهم بعد 30 يونيو، وأن حالة الوهم الذى صنعوه ويعايشوه حتى الآن بعودة رئيسهم المعزول ودستورهم الباطل وليدة الصدمة التى تلقوها بإزاحتهم بعد عام واحد من حكم مصر، لكن حالة التهويم والخداع والكذب وإقصاء الآخرين والتسرع فى الأداء دون دراسة سمات لصيقة بتاريخهم على مدار أكثر من ثمانين عاما، وليس مبدأ السمع والطاعة إلا تخطيط ممنهج لإخضاع أعضاء جماعتهم لأفكار التنظيم مهما بلغت التضحيات، دون سؤال أو مجادلة.

فى كتابه "سيكولوجية الجماهير" يقول جوستاف لوبون "الفرد ما ان ينخرط فى جمهور محدد حتى يتخذ سمات خاصة ما كانت موجودة فيه سابقا, أو يمكن القول أنها كانت موجودة ولكنه لم يكن يجرؤ على البوح بها او التعبير عنها بمثل هذه الصراحة و القوة... كما أن روح الفرد تخضع لتحريضات المنوم المغناطيسى او الطبيب الذى يجعل شخصا ما يغطس فى النوم فان روح الجماهير تخضع لتحريضات وإيعازات المحركين والقادة الذين يعرفون كيف يفرضون ارادتهم عليها.. وفى مثل هذه الحالة فإن محركى الجماهير يعتبرون الجمهور قطيع لا يستطيع الاستغناء عن سيده، لذا يفرضون سطوتهم على الناس لدرجة اختفاء كل شىء ما عداهم، والغريب أن الجماهير تخضع لقائدها وترهن لديه كل شىء، عقلها ومالها وجسدها، فيتصرف فيها كيفما يشاء، لدرجة استعدادها للتضحية بمصالحها الشخصية وبعائلاتها إذا لزم الأمر".


من هنا نكتشف سر حالة الاستحضار الجمعى لجماهير رابعة العدوية مسلوبة الإرادة أو كما أطلقت عليها وزارة الداخلية "المخطوفون ذهنيا"، واندفاعهم نتيجة التحريض المستمر الممزوج بالتبشير ببلوغ الجنة لارتكاب الجرائم من قتل وترويع وقطع للطرق ورمى المولوتوف وحرق السيارات واقتحام مؤسسات الدولة والمنشآت العسكرية وغيرها، يفعلون كل ذلك وهم معتقدون أنهم قاموا بواجبهم الدينى والوطنى ويقابلون من قادتهم بالاستحسان والإثابة.

نفس هذه الممارسات وصفها الإخوان حين كانوا فى موقع المسئولية وإدارة شئون البلاد بالبلطجة والخروج عن القانون ومحاولة تعطيل القائمين على حكم البلاد وإفشالهم، بل زادوا أنها مؤامرة ممنهجة لإسقاط مرسى واتهامهم بالخيانة.. هذا السلوك يوصف مرضيا بـ"الهذاء" أو "بارانويا الاضطهاد" وهى حالة ذهنية يشك فيها المريض دائما فى نوايا الآخرين ويرتاب فى دوافعهم، ويعتقد أن الناس لا يقومون بتقديم خدماتهم أو مساعداتهم إلا لغاية فى انفسهم، فتنصرف عنه الناس، عندئذ تزداد شكوكه فيهم وتقوى عنده مشاعر الحقد والغضب عليهم، فهو يرى نفسه ضحية لتآمرهم عليه. وبمرور الوقت تتحول حالته إلى هذاء اضطهادى، فيعزو ما لديه من اختراعات وهمية وما أصابها من إخفاق إلى مضطهديه وكارهى الخير، ويضخم الأمور، ويتصرف بشكل عداونى.

وعادة ما تمتزج هذه الحالة بما يعرف بـ"الشخصية العصابية" التى تتصف بنقص النضج وعدم الكفاءة وعدم تحمل الضغوط والأنانية ونقص البصيرة واضطراب العلاقات الاجتماعية، وعدم الرضا، والحساسية النفسية خاصة فى مواقف النقد والاحباط. والشخصية العصابية تؤدى بصاحبها الى سوء التوافق النفسى، مما يؤثر تأثيرا سيئاً على قدرة الشخص على ممارسة حياة طبيعية مفيدة ويعوقه عن أداء واجبه كاملاً، ويعوقه عن الإستمتاع بالحياة.
 
 
 
 
على جانب الممارسة السياسية تفردت جماعة الإخوان كتنظيم دولى على مدار تاريخها بالغباء بحسب التعريف العلمى لمصطلح "الغباء"، لتكرارها نفس الأخطاء دون مراعاة السياق الزمنى والمراحل التاريخية التى تمر بها الشعوب، وبرزت هذه الصفة بعد وصولهم سدة الحكم فتنصلوا من وعودهم ومارسوا الكذب والاقصاء والاستبداد بسرعة زمنية رهيبة دون حد أدنى من الذكاء الاجتماعى والسلوكى وضربوا بعرض الحائط مطالب الناس وتطلعاتهم مهرولين بتمكين أنفسهم وجماعتهم من مفاصل الحكم واستبعاد كل ما عداهم حتى من ينتمون إلى نفس تيارهم من المتأسلمين.

وتخبرنا التعريفات العلمية لصفة الغباء مدى اتساقها مع العقلية الإخوانية سواء قبل 30 يونيو أو بعدها، ومن أبرز مواصفات الإنسان الغبى:

- هو الإنسان معدوم الخيال.
- لا يقبل أية فكرة جديدة لمجرد أنها تختلف عما عهده من أفكار.
- لا يقبل أن يستمع إلى الرأى الآخر لمجرد أنه مختلف عن رأيه.
- لا يرى من الآخرين سوى وجوههم ولا يحاول أن يرى روحهم.
- لا يتعلم من أخطائه مهما حدث أو فعل.
- يجادل فيما لا يحتاج مجادلة ويعتقد أنك أنت الغبى ولا تعلم شيئاً.
- يظن نفسه يملك مفاتيح و أجوبة ألغاز كل شىء حتى و لو كان شيئاً لا وجود له.


إننا أمام حقائق تؤكد أن ما يتجمعون فى رابعة العدوية فى عالم افتراضى صنعوه بأنفسهم ولأنفسهم وإن ضحوا فى سبيل ذلك بمن فى الأرض ومن عليها، فما ذنب هؤلاء الغلابة من الفقراء الذين يسوقوهم للموت وهم يبحثون عن خروج آمن لقياداتهم، لقد ثبت بالبرهان أنهم جماعة خارج الزمن والتاريخ، فليحملوا أكفانهم ويتركون هذا الوطن الذى بذلت فيه تضحيات كبرى ليبقى عبر آلاف السنين معتزا بكرامته لا يقبل السمع والطاعة مهما بلغ صبره على الشدائد.. هؤلاء الإخوان ومن يتبعهم لا يمتلكون من الوعى ولا من الوطنية ما يجعلهم يحافظون عليه ولا على أهله، ففى أى صفحات التاريخ وقف بعض المصريين يكبرون ويسجدون شكرا مثلما حدث حين أعلنت منصة رابعة خبر تحرك سفن أمريكية فى البحر المتوسط باتجاه مصر ظنا أنها ستوجه ضرباتها لبلدهم.. رفعت الأقلام وجفت الصحف وسقطت الأقنعة ...........


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر فى مجلة رؤية - ـ أغسطس 2013