الاثنين، 23 نوفمبر 2009

الوصف التفصيلي لحقيقة ما جرى في السودان


صلاة الفجر جمعت المصريين والجزائريين داخل مطار الخرطوم
لماذا صمت نظاما البلدين وتركا الحمقي يديرون المباراة من استديوهات الفضائيات المأجورة؟
تعليمات للفضائيات والجرائد بالتصعيد ضد الجزائر
الجزائريون كانوا أكثر تنظيماً وحماساً وغياب التنسيق المصري مع السودانيين سبب الأزمة


ذهبت للسودان لتشجيع المنتخب القومي بين 11 ألف مصري ذهبوا لنفس الغرض، ولم يكن في ذهني الكتابة عن ذلك، لأني أعتقدت أن المشهد انتهي مع صافرة حكم المباراة وفوز الجزائر وتأهلها لمونديال جنوب أفريقيا 2010.. لكن بمجرد وصولي القاهرة ورؤية الحشود التي امتلأ بها المطار يتملكها الخوف والرعب علي ابنائهم الذين ذهبوا للسودان بعد أن شاهدوا «المذبحة» كما وصفتها شاشات الفضائيات وجدت أنه من واجبي تسجيل ما حدث كما رأيته وعشته علي مدار 24 ساعة حيث بدأت أتشكك فعلاً أنني كنت في بلد آخر ووسط جماهير مصرية أخري غير هؤلاء الذين تتصدر كلماتهم وصورهم الفضائيات.
الصور تخبرنا أن المشهد لم ينته، فهناك من يريدون تصعيد الأمر وتوجيهه وفق نظرية المؤامرة الجزائرية السودانية ضد مصر، ربما للتغطية علي الهزيمة أو استغلال بعض السلوكيات والتصرفات التي تخرج عادة من بعض المتعصبين وجعلها قنبلة دخان لإلهاء الناس عن كوارث النظام والمشاكل الكارثية التي تعاني منها مصر علي جميع المستويات أو أن الحزب الوطني الذي تدافعت عناصره بالمئات داخل استاد المريخ بأم درمان ومعظمهم لايعرفون شيئاً عن كرة القدم وأصول التشجيع سوي التي شيرتات التي ارتدوها كدعاية للحزب، وأرادوا بذلك تبييض وجه مبارك وولديه عن طريق مكالمات الرئيس لبعض الفنانين وتأكيده علي تأمين وصولهم ليقولوا ذلك علي كل الفضائيات، أو الكلمات الرنانة التي أطلقها علاء مبارك علي قناة دريم متحدثاً كما قال ليس لأنه ابن رئيس الجمهورية ولكن كمصري غيور علي وطنه، وكأنه كان في انتظار المباراة ليعرفنا بنفسه، وهو الذي كان مع أخيه وبعض أعضاء الحزب أوائل من تركوا الخرطوم بعد أن اطمأنوا علي طائرة المنتخب، والفيديوهات التي تعرضها الفضائيات لهم علي الطائرة خير شاهد علي ذلك، كما أن ضحكاتهم ودعاياتهم مع بعض الفنانين أثناء الرجوع يعطينا مؤشرا حقيقيا علي وطنيتهم وغيرتهم علي هزيمة المنتخب من جهة، وكذلك خوفهم ومتابعتهم المستمرة لحشود الجماهير المصرية التي افترشت أرض مطار الخرطوم في انتظار السفر دون أن يجدوا مسئولاً واحداً من السفارة المصرية بالسودان أو أحد قوات الأمن الخاصة التي أشاعوا أنهم بالعشرات وسافروا مع المشجعين في زي مدني لحمايتهم.
أما الحديث عن العنف والجحيم الجزائري الذي أحاط المشجعين المصريين وارهابهم بالسنج والمطاوي والسكاكين والحجارة فهو كلام مبالغ فيه لأقصي درجة، لأن كل ما نراه علي مجمل شاشات الفضائيات هو أتوبيس واحد تم رشقه بالحجارة من بعض المتعصبين الجزائريين بعد المباراة، وبالفعل لا ننكر حدوث المشاحنات والمضايقات لكن ليس علي ذلك النحو من المبالغة، ويتحمل المسئولية الكبري فيها غياب التنظيم المصري وعدم وجود معلومات واضحة عن مسار الأتوبيسات المصرية هناك وغياب التنسيق الأمني مع الأجهزة السودانية التي ثبت بالفعل أن قدراتهم أقل من تنظيم مباراة بهذا الحجم وهذا الأتوبيس واحد من عشرات ومحمد فؤاد وهيثم شاكر هما اثنان من آلاف، وهذا لايعني الدفاع عن الجزائريين، لكن يجب أن نضع الأمور في حجمها الطبيعي، إذا ما قسنا مثلاً ما جري علي ما يحدث في نطاق الحوادث الفردية لبعض الخارجين عن الروح الرياضية، مثل ما يحدث أحياناً من جماهير الأهلي والزمالك والاسماعيلي، وأعتقد أن ما جري في الإسماعيلية العام الماضي ضد جماهير وفريق الأهلي ليس ببعيد عندما تم القاء الحجارة علي أتوبيس فريق الأهلي وكذلك تم تكسير المدرجات في استاد الاسماعيلية وإلقائها علي اللاعبين والجهاز الفني، وعوقب الاسماعيلي علي ذلك بإجراء عدة مباريات له دون جمهور.
وإليكم سيناريو ما حدث:
1) وصول رحلة مصر للطيران رقم MS3865 إلي مطار الخرطوم فجر 18 نوفمبر 2009 في الساعة 5 صباحاً، وعلي متنها نحو 500 مشجع يحملون أعلام مصر ويرتدي معظمهم تي شيرتات الفريق القومي، وأثناء الوصول لصالة الاستقبال كانت توجد بعض الجماهير الجزائرية التي وصلت في رحلة سابقة، وتم تبادل الهتافات من الجانبين وكالعادة قبيل مثل تلك المباريات يتم الإشارة أنهم سوف يقطعون فريقنا كما تقول الجماهير لبعضها في أغلب الأحيان، ونجحت حينها سلطات المطار في إبعاد جماهير الفريقين.
وعندما أقيمت صلاة الفجر تلاحم بعض جماهير الفريقين في صفوف المصلين في مشهد أبلغ من أي قول.
وبعدها خرجنا من المطار دون حدوث ما يعكر الصفو.
2) علي طول الطريق إلي استاد المريخ بأم درمان وهي مسافة تتجاوز 30 كيلو مترا احتشدت الجماهير السودانية لاستقبال أتوبيسات المشجعين المصريين، وليس علي لسانهم سوي «تحيا مصر».. «عاشت وحدة وادي النيل» «أبوتريكة.. أبوتريكة» «اغلبوهم بالثلاثة».. وطوال السير لم نلحظ إلا قلة من الجماهير الجزائرية وبعض السودانيين الذين رفعوا أعلام الجزائر وهو أمر طبيعي لكن الغلبة كانت لمصر والصور التي أخذناها تؤكد ذلك.
وبالحديث مع بعض السودانيين لفت نظرهم عدم وصول الرحلات المصرية إلا يوم المباراة، بينما الرحلات الجزائرية بدأت تتوافد علي مدار ثلاثة أيام، واستطاعوا شراء ما يقرب من نصف عدد التذاكر التي طرحت في الأسواق وهو ما يبرر التواجد الجزائري الكبير داخل استاد أم درمان إذا ما أضفنا 9 آلاف تذكرة حصلت عليها السفارة الجزائرية.
أما الحديث عن تواطؤ سوداني ودخول جماهيرهم ضمن المدرجات المخصصة لمصر لهذا مغالط تماماً للحقيقة ويشهد علي ذلك التشجيع السوداني الذي لم يتوقف طوال مدة المباراة.. ولا أحد يلوم الجزائريين إذا كانوا أكثر تنظيماً وكفاءة في التعامل مع طبيعة المباراة الحاسمة ويكفي ما قاله لي أحد ممثلي شركات السياحة المصرية بأنه كانت لديهم تعليمات بأن أي الغاء للحجوزات يتم بيعه للحزب الوطني خاصة بعد الشائعات حول المطالبة بعدم سفر السيدات خوفا من التحرش بهم من قبيل مشجعي الجزائر.
3) في استاد المريخ قررت قوات الأمن دخول جماهير الجزائر أولاً، لمنع الاحتكاك، مما أعطي انطباعاً سريعاً بخلو المدرجات المخصصة لمصر، وبالطبع كان ذلك نتيجة تكثيف وصول الرحلات من مصر يوم المباراة فقط، وبعدها امتلأت المدرجات المصرية علي آخرها وكشفت الوقائع جملة من المخالفات أولها في تلك الأعداد الكبيرة التي وصلت الخرطوم ولم يكن معها تذاكر، وادعت لهم شركات السياحة بأنها ترتب لهم كل شيء هناك، وهو ما منع المئات من المصريين دخول الاستاد، وظلوا يفترشون الأرض بالخارج ولم يشاهدوا المبارة.
في المقابل توافدت حوالي 6 رحلات مصرية تحمل أكثر من ألفي مشجع ارتدوا جميعاً تي شيرتات بيضاء عليها من الأمام علم مصر وشعار الحزب الوطني وفي الخلف صورة الشعار علي امتداد الفانلة!
وتساءلنا جميعاً لماذا لم يرتد هؤلاء فانلة منتخب مصر كمعظم المشجعين المصريين الذين سافروا وتحملوا تكلفة السفر من جيوبهم بعكس هؤلاء الذين سافروا علي حساب الحزب؟! شارك معهم في نفس المشهد وفود شركات أحمد عز ومحمد أبوالعينين وطارق نور ونجيب ساويرس الذين دخلوا في مباراة منافسة لإثبات ولائهم للحزب الوطني ورئيسه ووريثه، الذي حشد هؤلاء الآلاف للدعاية له في حين لم تهدأ الجماهير الجزائرية بالتشجيع ورفع الإعلام وكان هناك علم بطول 500 متر غطي مدرجاتهم بالكامل.
أما عن الشائعة بوجود أعلام أرسلتها مصر، فاقتصرت علي بعض الكراتين التي تم القائها خارج الاستاد ولم توزع علي الجماهير بالداخل.
4) عقب انتهاء المباراة وفوز الجزائر خرجت الجماهير المصرية بعد تحية فريق المنتخب علي أدائهم المرضي في مشهد جنائزي صامت حزناً علي الفرحة الضائعة والهزيمة القاسية، ليفاجأ معظمهم بعدم وجود أتوبيسات شركات السياحة الخاصة بهم في أماكنها المحددة، وعليه تحولت الصورة إلي عشوائية تامة، وتدافع البعض إلي الانضمام للأتوبيسات الموجودة بالفعل، ولجأ البعض الآخر إلي ركوب التاكسيات والميكروباصات، بعد أن فشلوا في الوصول إلي أي مسئول مصري أو سوداني لإرشادهم عما يجب فعله في هذا الموقف.
ما علمناه بعد ذلك في المطار أنه كان هناك اتفاق سوداني مع مسئولي البلدين أن يتم نقل جماهير الفريق المهزوم أولاً، لإعطاء فرصة لجماهير الفريق الفائز بالاحتفال ولكن هذا الموقف المسيء من قبل شركات السياحة تسبب في تأخر وصول المصريين للمطار، وهذا ما جعل جماهير الفريقين يتقابلان علي طريق المطار، وحدثت بالفعل بعض أعمال الشغب من قبل مجموعة من المتعصبين الجزائريين الذين ألقوا حجارة وزجاجات فارغة علي احد الأتوبيسات التي كانت تنقل بعض الفنانين ومن بينهم هيثم شاكر، وهو ما حدث أيضا مع سيارة المطرب محمد فؤاد، مما تسبب في حدوث حالة من الارتباك المروري وانفلت الأمر من يد الأمن السوداني الذي وقف حائراً في التعامل مع هذه الاحتكاكات.
وبالطبع هذا أمر غير مقبول وغير مبرر من جماهير الجزائر التي فاز فريقها، ولكن يبدو أن عمليات الشحن الإعلامي من قبل البلدين نجحت في تأجيج مشاعر الكراهية المتبادلة، ليخرج عن نطاق مشاعر التشجيع للفريق الوطني لكل بلد، ويبدو أن ما حدث سوف يؤثر بالسلب علي العلاقات المشتركة بين البلدين العريقين ونحتاج إلي سنوات وسنوات لمعالجة هذا الأمر.
5) ومع تلك المشاهد المسيئة فإن المبالغة الإعلامية لتناول هذه السلوكيات الفردية غير اللائقة من بعض المتهورين لا مبرر لها، بعد نشر بعض الفضائيات شائعات عن ضحايا ووقوع موتي بين المصريين وحصار الجماهير المصرية في قبضة الجحيم الجزائري، وإلقاء مطاوي وسكاكين وسنج علي العربات وهذا يخالف الحقيقة شكلاً وموضوعاً، والرد علي ذلك جاء بالفعل من بيان وزارة الصحة في مصر التي أقرت أنه لايوجد قتلي وعدد الاصابات اقتصر علي 21 مصرياً انحصرت كلها في كدمات وجروح قطعية لايوجد بينهما أي أصابات نتيجة طعنات بأسلحة بيضاء، وقد تم إسعاف 12 منهم في مطار القاهرة والتسعة الباقين وصلوا للمستشفيات وقد خرجوا جميعاً في اليوم التالي لوصولهم.
6) أمام هذا الموقف ووصول الجماهير الجزائرية أولاً إلي مطار الخرطوم اتخذت السلطات السودانية قرارا بتسفير الرحلات الجزائرية وتم انتظار أفواج الجماهير التي تلاقت علي طول الطريق للمطار الذي يصل إلي نحو 30 كيلو متراً من أم درمان إلي الخرطوم وفي الأتوبيس الذي كنت أركبه لم نمر سوي علي سيارات قليلة تحمل المشجعين الجزائريين، وبالفعل كانوا يشيرون إلينا بالهتافات لفوز فريقهم ورفع أعلامهم، وحاول البعض إلقاء بعض الزجاجات الفارغة علينا، ومع توقف المرور في أحد الشوارع اضطر سائق الأتوبيس لتغيير مساره إلي شارع آخر استغرق حوالي ساعة ونصف وحينها جاءت لنا بعض التليفونات عن وقوع قتلي وإصابات في الأتوبيسات الأخرى، مما جعل البعض يطلب من السائق التوقف ونزلوا إلي الشارع محاولين إيجاد عصي أو زجاجات، وقاموا بتكسير أخشاب بعض الأشجار الجافة كنوع من الاحتماء في حال ظهور أي جزائري، الشيء المهين فعلاً هو حدوث كل ذلك مع عدم وجود أي مسئول مصري، وكانت المفاجأة عند وصول الأتوبيسات هو إغلاق جميع بوابات المطار، وأشار بعض الأمن الواقف إلي الدخول من البوابات الخلفية، وهناك تجمهر المشجعون المصريون الذين فاق عددهم 10 آلاف مصري وظللنا واقفين خارج المطار لما يقرب من ساعتين كانت كفيلة ببث الرعب داخل الجميع، والخوف من ظهور الجزائريين المسلحين كما أشاعت بعض وسائل الإعلام وبدأت صرخات الناس تعلو مما جذب كاميرات الفضائيات نحوها وتم التركيز علي تلك المشاهد التي سقط فيها البعض من الإجهاد، وآخرون مما تملك منهم الرعب، وقاموا باتصالات مكثفة بأقاربهم فيما يشبه الاستغاثة ومن ثم تناقلتها الفضائيات من غير التأكد أو متابعة الوقائع.
7) خمس ساعات كاملة من الحادية عشر بعد انتهاء المباراة إلي الرابعة فجراً ما بين الوصول للمطار والانتظار بالخارج ثم الدخول للوقوف في ممر الطائرات وهو مكان غير مسموح بالتواجد فيه كما هو متعارف عليه، لكن لم نجد غيره، إلا أن ظهرت وجوه بعض المصريين قيل لنا إنهم عناصر أمن مصريين وطالبونا بضبط النفس والوقوف حتى ركوب الطائرات، ومع دخول الأتوبيسات تدافعت جموع المشجعين، بل حاول البعض الوصول إلي الطائرات المصرية، حينها اندفعت قوات الأمن السودانية لعمل كردون وحائط بشري موجهين أسلحتهم وعصاهم تجاهنا ليمنعونا من التقدم.
وحين اقتربت من أحدهم وصرخت في وجهه ليفسح لي الطريق رد علي بانفعال قائلاً: «ناسكواهما اللي عملوا فيكم كده»، حينها تداخل احد رجال الأمن المصريين وطلب مني الانتظار مؤكداً أنه سوف ينقلني لإحدى الطائرات مع وصول أول أتوبيس بعد أن امتلأت الأتوبيسات الأخرى، لكنني بمجرد أن التفت عاتبه الأخ السوداني علي طريقة حديثي معه، فرد عليه المصري «عندك حق وإذا تقدم أحد آخر اضربوه ولن نلومك».
هكذا تعامل معنا رجال الأمن الذين أشاعوا أنهم جاءوا لحمايتنا، وهنا أتساءل: أين كان هؤلاء حينما وقعت الاعتداءات الجزائرية علي الأتوبيسات المصرية في طريق المطار؟
8) انطلقت طائرة شركة «المصرية» التي ركبتها في تمام السادسة صباحاً بعد أن ظللنا ساعتين بدون مبرر للانتظار، ولكننا علمنا السر بعدها حين دخل علينا أحد مسئولي وزارة الخارجية وإلي جواره الدكتور نبيل لوقابباوي وزوجته واثنان آخران، حينها احتقن بعض الركاب وصرخوا في طاقم الطائرة لأنهم جعلونا كالرهائن في انتظار السيد الدكتور بعد أن قامت الخارجية بالاتصال بهم رغم أنه كان من الممكن أن يستقل إحدي الطائرات الأخري التي كانت تنقل المصريين بدون الالتزام بأرقام رحلاتهم وتم الاكتفاء بإظهار جوازات سفرنا.
9) وصلنا القاهرة في السابعة صباحاً تقريباً والحزن يخيم علي الجميع، وخرجنا من الصالات لتستقبلنا حشود الأهالي التي ظلت واقفة كما علمنا طوال الليل في انتظار ابنائهم بعد أن شاهدوا برامج الفضائيات ونداءات الاستغاثة، وعندما رجعت للبيت ورأيت ماتبثه تلك البرامج حاولت الاتصال بأحد معدي قناة فضائية رياضية لتوضيح الصورة كما رأيتها كان الرد علي بأننا لدينا تعليمات بتصعيد الأمر ضد الجزائريين وكذلك جاءني الرد من «جريدة يومية مستقلة» ولا أعلم لماذا يتم ذلك ولمصلحة من؟! أعترف أن هناك عدداً من التجاوزات والاعتداءات الجزائرية علي المشجعين المصريين، لكننا كنا أكثر ثباتا والتزاماً وتعاملنا معها بالصورة التي تحفظ لمصر كرامتها ومكانتها، لكن التسويق الإعلامي للكراهية والغضب الأهوج لامبرر له في رأيي سوي أنه قصور في السياسة الخارجية المصرية التي تحاول تغطية فشلها علي حساب المصريين، وتتخيل الوضع معاكساً إذا ما كان فريقنا خرج فائزاً، أعتقد أن الأمر كان سيختلف سيحسب الفوز حينها للقيادة المصرية الحكيمة والتنظيم الكفؤ والحشد الجماهيري الذي نجح فيه الحزب الوطني ورجال الأعمال لكن يبدو وأن إرادة الله كانت فوق الجميع لتكشف الحقيقة وأن من أهان مصر هم هؤلاء المنتفعين الذين تلاعبوا بمشاعر المصريين ورغبتهم المستميتة للبحث عن فرصة لتنجيم أنفسهم ولو في مباراة كرة قدم.

زينب حسن
جريدة الكرامة - العدد 206
23/11/2009

الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

مصل ضد الفساد



الآن.. في الوقت الذي تتقدم فيه مصر لمنظمة الصحة العالمية بإحتجاج علي خريطة توزيع مصل أنفلونزا الخنازير واستئثار الولايات المتحدة وأوروبا بحوالي 90% من إنتاجه، استدعي نكته قديمة يقف فيها القرد أمام الأسد ويصرخ في وجهه قائلاً: «متقدرش» فيضحك ملك الغابة وهو ينظر للحيوانات وينصرف عنه مستهزئاً بقوته المزعومة.
يحدث هذا في نفس التوقيت الذي يقف فيه مركز المصل واللقاح كمؤسسة عريقة لها سمعتها التاريخية مكتوف الأيدي بعد أن تم تفريغه من كوادره ونوابغه من الباحثين الذين هجر بعضهم الوطن لاجئين وراء العلم في أمريكا وأوروبا بينما وقف زملائهم الباقون أمام أبواب مراكز ومؤسسات البحث العلمي في مجالات الكيمياء الحيوية علي الأبواب للمطالبة بأجور عادلة تكفيهم شر الحاجة وشدة العيش.
وهو ذات الوقت الذي تطالعنا فيه الأخبار بفوز عالمة الكيمياء الإسرائيلية عادا يونات بجائزة نوبل في الكيمياء مع زميليها الأمريكيين بعد نجاحهم في اكتشاف تأثيرات بعض المضادات الحيوية علي جسم الإنسان، وأدي إلي توصلهم إلي إنتاج بعضها من خلايا الجسم.. وهو ما يمكن من محاربة العديد من الأمراض.
وكالعادة غلبتني الحسرة عندما تذكرت حديث الدكتور رءوف حامد لي عن «مركز الإتاحة الحيوية الذي أنشأه عام 1990، وكان يعمل تقريباً في نفس المجال العلمي.. الدكتور رءوف حامد الذي حيكت له مؤامرة دنيئة لإقصائه من مجلس إدارة الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية بعد معركة خاضها العالم الجليل بشرف ونبل في مقاومة الفاسدين الذين زجوا بالهيئة وشعبها ومراكزها وباحثيها إلي نفق مظلم وضع مصر في هذه المكانة الهزيلة وليس في أيدي حكومتها سوي خطاب احتجاج يتباكي فيه وزير الصحة علي ممارسات شركات الأمصال واللقاحات الأمريكية والأوروبية، مذكرا إياها بشعارات أولهم عن حقوق الإنسان وحماية فقراء العالم.
وهنا أذكر الوزير الذي كان مهندساً لعملية إقصاء الدكتور رءوف حامد من منصبه، أين كانت حينها حقوق الإنسان؟ وأين كان شرف المسئولية لحماية علماء الوطن الذين أفنوا حياتهم في البحث العلمي إيمانا منهم أنه السبيل الوحيد لرفعة الوطن وتعظيم قوته؟
ومن الذي خرب مؤسساتنا العلمية من كوادرها؟..
ومن الذي سمح لأنصاف العلماء وأشباههم أن يستأثروا بالمناصب القيادية ويكون في أيديهم القرار؟
ومع أسئلتي اليتيمة من الإجابات أسأل ماذا لو ظل «مركز الإتاحة الحيوية» يعمل علي أبحاثه ودراساته خلال العشرين عاما الماضية لاكتشاف تأثيرات الأدوية علي أجسام البشر؟ أكان من الممكن أن يكون أحد باحثيه في الفريق العلمي الذي كونه الدكتور رءوف حامد يقف الأن في مكان العالمة الإسرائيلية؟.. أكان من الممكن لهذا المركز الذي تم إغلاقه لصالح شركات الأدوية الأجنبية في مصر أن يفتح المجال لإنتاج أدوية وطنية تقينا شر الاستيراد؟ وأن يثمر تعاونه مع باحثي الأمصال واللقاحات في أن يكون لنا خطوط إنتاج تجعلنا لانقف في طابور المتسولين لمصل انفلونزا الخنازير؟
والدليل علي أني لا أتصور الوهم هو أنه في ظل هذا المناخ غير السوي يتوصل مجموعة من باحثي المركز القومي للبحوث لاكتشاف مصل انفلونزا الطيور، ولكنهم يقفون الان في انتظارات خط إنتاج يستغرق ما يقرب من العامين فكيف لو توافر لهم المناخ العلمي السليم؟ ربما استطاعوا أن ينتجوا لنا مصلاً للفساد وهو المرض الأخطر علينا من الأنفلونزا.


زينب حسن

10 أكتوبر 2009

الاثنين، 5 أكتوبر 2009

عد ياغريب


تتعالي الأصوات من حولي، وتأخذني الأماكن هنا وهناك.. تلك البيوت أعرفها، وهؤلاء الناس أحبهم، هي بلدي الجميلة وأهلها الطيبون الغلابة، الذين أعتصموا بالزهد، وتزهد فيهم الحياة.
ولكن لماذا يستغرقني كل هذا الصمت، ويملأ دنياي ذلك الفراغ، ويستعصي في قلبي الأمل، وتتوه علي وجهي الابتسامة كأني أبحث عن شيء في شارع مظلم لا أعرف له عنواناً، أو كما قال لي أستاذي سليمان الحكيم أني أشبه عازفي الكمنجات في فيلم «تيتانك» حين أصروا علي عزف الموسيقي والموت يحاصر سفينتهم، ويسقط حولهم الغرقي في المياه الباردة!
ورحت أسال نفسي: هل كان ذلك الوصف من قبيل المدح أم الذم؟ لكن الإجابة لم تشغلني طويلاً، لأني ببساطة لا أختلف كثيراً عن كل من يصرخون ليلاً ونهاراً بآلام الوطن ومآسيه، فكلنا ركاب في السفينة المنكوبة وتكاد مياه الإحباط واليأس والأحلام المبتورة أن تبتلعنا، بعد أن غرقنا في زحام الأيام التي تقذفنا إلي المجهول، فكل الأحداث أصبحت تمر كشريط أخبار لانملك معه سوي النظر والتحسر.
وكالجمر أسترجع أمسا قريباً كنت فيه مملوءة بالأمل في مصير مختلف.. في البيت والعمل والشارع والوطن الكبير، وأحرص ألا تسقط مني المعاني في المياه الباردة، فربما مازلت أتمسك بخشبة نجاة لأنتقل إلي فيلم آخر أبحث فيه عن حكايات الغريب الذي مر علي تاريخ هذا الوطن وأعطي لنا شرفاً أرجو أن نستحقه بطولات وحرب وثورة تغيير وحلم بمستقبل أفضل لشعوبنا وربما لا أملك عصا سحرية تحيل دراما الأفلام إلي الواقع لتتحقق أحلامي، لكني أستطيع أن أقتطع من أيامي ما أرفضه فيها، بوقفة مع اللغة أغيب معها في كلمات الأمل والتفاؤل، أعول علي معني شفاف يؤنس وحدتي، وسيف مبتور أشحذه بذكري غالية أضرب به في معارك الطموح والأهداف العصيبة، أغتسل بالدمع من الكسل والفشل، وأطهر روحي من رياح الإحباط واليأس، لعلي أتشجع يوماً وأنزل من فوق الرصيف، لأقف في وسط الميدان أرفع رايات الرفض وكلي إيمان أني لست وحدي، و أن كل هؤلاء الصامتين من شرفاء الوطن والغيورين عليه سينزلون أيضاً من فوق أرصفتهم لنستعيد وقفات الاحتجاج وصرخات الرفض، ويعود الشارع كما كان لنا ونقول لا.. كفاية.. حرام.
أتمني ألا يطول وقوفنا وصمتنا، ويكون ذلك في موعد قريب.


زينب حسن

5 أكتوبر 2009

الاثنين، 3 أغسطس 2009

والله ما معايا غيره


علي آخر كرسي في كنبة الميكروباص جلس منزوياً بجوار النافذة، وحركة رأسه لا تنقطع عن متابعة الشارع الذي يجري أمامه والفتي الواقف علي الباب هناك ينادي: جيزة ـ جامعة ـ دقي.وجه أسمر في مقتبل العمر، تتملك عينيه حيرة لا تختلف كثيرًا عن هؤلاء الذين يعبرون أيامنا كل يوم، ولا يعرفون من أين أتوا وإلي أين يذهبون!يده لا تعرف طريقاً سوي حافة الكاب فوق هامته، يشدها بعصبية كمن يريد إخفاء نفسه عن العيون.تمتلئ الكراسي وتلتحم الأجساد داخل الصندوق الحديدي، ومعها يعلو صوت أنفاسه، الذي يصارع العرق المنهمر علي وجنتيه وجبينه، كأن تحته جمراً.
لا ساعة في يديه أو موبايل كالآخرين، يكسر معه الخجل الذي أطل من ملامحه، عابراً السواد الملفوف حول عينيه من فرط الإرهاق وربما من سهر الليالي التي أجهدت الجسد النحيف وجعلته يترنح داخل ملابسه الفضفاضة.. لا أدري لماذا جاءني حينها قول محمود درويش: نحن من نحن ولا نسأل.. من نحن فمازلنا هنا.. نرتق ثوب الأزلية.. نحن أبناء الهواء الساخن ـ البارد.. الماء وأبناء الثري والنار والضوء...وفجأة ذهبت عني خواطري حين انتفض علي قدوم الفتي يسأل الراكبين جنيهاً أجراً للتوصيلة، وعندما أصبح في مواجهته، وقف منتصباً، واقترب من وجه الفتي علي استحياء، ومد يده بربع جنيه فضي وقال له همساً، محاولاً الفرار من العيون حوله: «والله ما معايا غيره»..ثوان قليلة حملت أثقال الزمن الرديء وأوجاعه مرت كالجبل في انكسار عينيه التي اخترقتهما الدموع، ولم يكن انتظار الجواب ثقيلاً عليه وحده، كأن الذل انقسم علي الحاضرين، ورشق في القلوب سهاماً كان في عيونهم لها ذكري من مشاهد أخري للفقر الصديق.في صمت سحب الفتي ما في يديه وانسحب وخرجت من بين الشفتين المشقوقتين تنهيدة طويلة، رمت ريحها الجميع بالحسرة والحزن، ولم يكن غريباً أن تحاول العيون الهروب عنه، بعد أن فر بعينيه إلي النافذة ينظر إلي ألمه المتبعثر في الميدان الكبير.حبست أنفاسي وارتميت مرة أخري في كلمات درويش: للخوف ملمس ثعلب يعوي فلا ندري.. تروضنا الثعالب أم نروضها ونخشي جاذبية كل شيء غامض.. ونحبها كي نبلغ المجهول، لكني أخاف علي طريقتي في جس نبض الكون.. أحياناً أخاف علي من غيري، وأخشي دائماً نفسي الشريدة..


زينب حسن

3 أغسطس 2009

الاثنين، 27 يوليو 2009

من أين لك بك؟


إياك وأن تحسب هذا تلعثما بل هو الاتزان كما يكون وكما لم يكتب من قبل، فأي كلمات يمكن لامرأة أن تخرجها لتعبر عنك، فأنت أشبه بالمعني الذي لم يكتبه أفلاطون في مدينته الفاضلة، نعم أنت رابع الحق والخير والجمال، فيا ويلي وأنا معك تضيع الأفكار وتهرب مني المعاني، ولا أملك فيها أي إرادة، هي ذاتها التي تتكوم وترتكن بعيدا عني، هي ذاتها التي عجزت عن مجاراتك، وتشعر كم هي ضئيلة فتهرب وتتركني أمامك كما تراني..
وسماء أحلامي الجميلة، معك أصبح ذلك الكائن الأسطوري الذي جاء توا من عالم الأشباه كما صوره الفلاسفة، ليكتشف حين يراك أنك باطن الحقيقة، وما عداك أشباه أشياء، أشباه بشر، أشباه كلمات، أشباه....انتظر ولا تتهمني بالمبالغة، فأنا الآن أعيش تحت ظل سمائك..سماؤنا وحدنا، حيث لا ظل غير ما نحمله من رهافة وعذوبة ورقة، تذيب الفراق وتمحو الخصام، وننتقم من أثقال العالم حين نرميها علي عتبات اللقاء.هل تعرف أن كل لقاء معك يكون فاصلا زمنيا وشعوريا بين حالين في حياتي، وكأني كل مرة أذهب إليك لأغتسل من همومي وأفكاري وهواجسي، فلماذا تعاتبني علي شذوذ أفكاري حين تكون لست معي؟لا تلمني إذا هزمتني الوحدة ومزقني الحرمان، وصارعتني صغائر البشر، ولا تخجل أن تأخذني بين أحضانك حين تغلبني الدموع، فقربك يطهرني ويخلقني من جديد لأتصالح وأتسامي وأفرح..... فلا معني للفرح إن لم يكن منك وبك ومعك.آه لو أستطيع أن أخبئك داخلي يا ليتك معي الآن حتي تعرف ما لا تستطيع كلماتي أن تسطره لك.كل الكلمات تحدثني عنك، فأنت أرضي ولا زمان لي إلا معك.


زينب حسن

27 يوليو 2009

الاثنين، 20 يوليو 2009

المعلم زينهم

مصر النبيلة تصارع مصر التي يريدونها خسيسة.. فهل تنتصر؟

بطعم العشرة وروح الجدعنة ومرارة الفقر وصدمة الفقد وقف المعلم زينهم علي مسرح حياتنا يرقص علي أوتار أوجاعه وأوجاعنا.
من جديد يعاود الفنان المبدع خالد الصاوي لعبته في نحت ملامح شخصياته من رئيس التحرير في «عمارة يعقوبيان» ومطرب الدرجة الثالثة في «كباريه» إلي المعلم زينهم في فيلم «الفرح» يقتطع الصاوي جزءا أصيلا من قلب ووجدان هذا الشعب الذي لايزال يحمل من النبل ما يجعله قادراً علي البقاء.
زينهم الذي اختصرت أحلامه في شراء ميكروباص لجأ إلي إحدي جمعيات تنظيم الأفراح التي ابتكرت هذه التقليعة لجمع النقود لترد بنفس الطريقة، ورغم الأكاذيب التي تحيط بالأمر وتصل إلي حد استئجار عروسين للفرح إلا أن الاستعدادات تتم بمشاركة الجميع تحت مظلة من الشرعية سبيلاً للتحايل علي الفقر الذي بات ضيفاً دائماً في بيوت الغالبية العظمي من المصريين.
وفي زمن يبيع فيه الإنسان أعضاء جسده من أجل المال، وقف زينهم يرقص حاملاً «سنجة» الفتوة رغم موت أمه التي رحلت وهي غاضبة عليه لأنه استقدم للفرح راقصة وسمح بشرب البيرة، ومع مرارة ندمه بموتها قبل أن تسامحه، أقنعته شلة المنتفعين بأن يستكمل الفرح ليجمع ما يريده وما يريدون من مال.
لحظة قاسية امتزجت فيها الشدة باللين، العنف بالحنان، الحزن بالفرح، القوة بالضعف، لم يكن ليجسدها سوي خالد الصاوي.. الذي أغمض عينيه في سكينة وكأنه يكشف عن أحوالنا التي ترغمنا علي إظهار غير ما نخفيه، نتلون بحسب الطلب، وعلي قدر المنفعة تبرر الوسيلة مهما بلغت قسوتها وخستها.
يتقطر الألم جرعة جرعة خلال ساعات الليل القليلة حين لملمت زوجته أولادها وكومتهم مع صرة ملابسها وهي تتحسر علي حبها لهذا الرجل الذي لم يحترم موت أمه، وتطلب منه الطلاق، لأنه من ليس له خير في من أنجبته، لن يكون له خير فيمن أنجبت أولاده.
وبلطمة علي خده يسكب زينهم أحزانه علينا حين تضيع شنطة الفلوس التي جمعها في الفرح معاتبا الدنيا قائلا: إيه.. مش لاقيه غيري ولا إيه؟!
ورغم ثقل الأحزان لا ينسي ابن البلد الجدع الذي فقد كل شيء أن يربت علي يدي الراقصة التي انهال عليها ضرباً حين امتنعت أمام جسد أمه عن الرقص، ويرد لها نقودها طالباً المغفرة «حقك عليا».
وهكذا انقلب الفرح عزاء، وتنفض الدنيا عن زينهم الذي وقف وحيداً في مشهد النهاية الذي يوجه لنا ما يشبه السؤال: ماذا لو لم يكتمل الفرح مع موت الأم، هل سيكون باستطاعتنا مراجعة أنفسنا لنتخذ الموقف الصحيح؟.. هل نترك أحزاننا لتخرج في وقتها دون أن تقتلتنا ندما وكمداً؟.. هل نمسك اللحظة التي نعطي فيها لأحبائنا ما يستحقون من حب وتقدير قبل فوات الأوان؟..





زينب حسن


20/7/2009

الاثنين، 13 يوليو 2009

ريحة الحبايب


دلوقت أنا بألعب استغماية مع أصحابي في الحارة، كيلو بامية القطة العامية.. وأطلع أجري بسرعة أشرب من قلة جارتنا أم وردة، واستخبي في دكانة عم عبدالرءوف.. وارجع بيتنا اقعد علي الكليم المنقوش ابص علي سقف صالتنا العالي واسرح في عمدانه الخشب، وانحت أحلامي حتة حتة علي بياض الحيطان القديمة ولما يغلبني النوم احس بايد أمي بتشلني وتحطني علي السرير..ياااااه ما أجمل هذه الأيام التي حملتني رصيدا من الفرح والنقاء والبراح مازلت أرتكن عليه حين تضيق علي الدنيا بلهثها وعبثها وشقائها.. هذه المرة عدت إليها دون عبث أو شقاء
أو ضيق، حين أسعدني حظي بالعثور علي مدونة الشاعر الرائع أمين حداد "ريحة الحبايب"، فمنذ زمن لم يطيرني الشعر وتخطفني كلماته كما فعلت قصائده الرائعة التي تشتم فيها رائحة العمالقة فؤاد حداد وصلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودي، هؤلاء البارعون الذين أسكنونا مصر التي نحبها، في الحارة والغيط والمولد بين الناس الطيبين.. ومن جديد يأتي أمين حداد بقصائده الجديدة والقديمة ولغته العصرية خفيفة الظل عميقة المعني ليفتح طاقة حلم وأمل بأن مصر التي نعشقها مازالت حاضرة، حين يقول في قصيدة "بسملا": أنا مستمر في حياة ماشية بمجدافين.. مجداف من الماضي ومجداف من المستقبل وخيالي بيحوم حوالي وباحوم حواليه.. رقص باليه ولكني - علي رأي صلاح جاهين - عجوز متصابي وممكن تقول عني كمان إني مرابي باسلّف مشاعري وأحزاني علي شكل قصايد.. وبترجع لي قصاصات في جرايد.. وتعليقات علي الإنترنت.. وابتسامات ودموع.. ودواوين شعرية بتنام علي السرير جنبي.. وطول الليل تفكرني بذنبي.. وهكذا يرشدنا أمين إلي عالمه الذي حين نطل عليه كأننا نقرأ أنفسنا ونتنفس معه نسيم ربيعنا مهما طال خريف الأيام، فما أروعه في قصيدة البيوت التي يكتب فيها ما يشبه الوثيقة عن بيوتنا القديمة، وحتما سيجد كل منا مكانه وسنظن أنه عاش معنا يوما بيوم وشاركنا أدق التفاصيل، ومن الزتون للحلمية والإمام والعمرانية والبساتين وعين شمس وقصر النيل وبيوت الفلاحين وفي السطوح والبدروم كأنه يبحث معنا علينا وعلي أهلنا وجيراننا وأصحابنا "بيوت كتير الزمن خلاها تشبه بعض.. أفضل ألف عليها وادق علي البيبان وأنادي ما حدّش يردّ علي.. حابقي آجي في وقت تاني يكونوا رجعوا بالسلامة إن شاء الله.قصائد كثيرة علي مدونة "ريحة الحبايب" كنت أتمني أن تسعفني المساحة لأكتبها جميعا وأحكي عما فعلت بي "سبت الغسيل" وأحلام العصافير" و"أفكار ومشاكل" و"بالعبري الفصيح" و"حدودك كده" و"رسم".. وكلها لم أنقطع عن قراءاتها طوال الأيام الماضية، وكلما غصت فيها أكثر أعود لأيامي الحلوة، وفي كل مرة يرافقني فؤاد حداد وأراه ينظر لولده وتملأ عينيه دمعة فرح ويقول "الله يفتح عليك يا بني"..


زينب حسن

13 يوليو 2009

الاثنين، 6 يوليو 2009

هو وهى


هو: كنت أشكو من جنون يتملكني ساعة العصر، ثم خمد جنوني فأصبحت أشكو من افتقادي له.. وها قد عاد علي يديك، فكوني علي قدره ولا تفري من المواجهة.. ستندلع مشاعري مثل حريق يأكل عشبي الذي راحت نضارته، وثمة نعناع كثير سينبت من قلب الحريق.. خذي كل هذا الحزن وكل هذا القلق.. خذي كل هذا الحب.

هى: وأنا كفرت بالعقل، فلماذا لا أطلق تلك الروح الخامدة فراشة تحوم حول نيران الحب، أياً كان الحب، عاقلا أو ماجنا.. حتما فيه النجاة.. لعن الله الخوف، فكن رباني وبحوري ومرساي، واقسم قلبي مجدافين للإبحار بها، وحين تهن اليد، اعتصره سائلا للحياة كي تهدأ الفراشة، وحين تحن لنزقها ستنزل القوة عليك كوحي يبث إليك دين الحب لتبحر فيها نبيا، وتعاهدك علي الإيمان.. صلاة للحب، وصوم عن العقل، وحج إلي أقاصي قلبك المجنون.


هو: مشكلتي معك تلك الحمي التي تنتابني عندما أكتب إليك أو أتحدث معك، ساعتها أريد قول كل شئ دفعة واحدة فتتبعثر أفكاري وتتشتت خواطري وأعود من رحلة بوحي أخرس لا يكاد يبين .

هي: مرورك بالألفاظ يزلزلني إلي حد الفناء فيك، فلتعرف أن مشكلتي معك أنك قادر طوال الوقت أن تدهشني، وأقصي ما تطمح فيه المرأة رجلا يدهشها.


هو: وهل للزهرة حياة إن لم يرشفها النحل؟ هل للنحل حياة إن افتقد الزهرة حتي ولو أدمته أشواكها.. فكوني زهرتي لأكون نحلك الكثير.

هي: أراك في ذلك الشارع الطويل تكاد أنفاسك تتوقف بعد أن قطعته ورائي جريا، وعلي وجهك أنقي الابتسامات وأروعها، وكدت أسقط أنا من الدهشة، ومع أول لمسة لأيدينا انفطر القلبان عشقا ضاربا خارج حدود الأزمنة. فلماذا ذهبت دون وداع إلي فضائك وحيدا.


هو: كنت فوق تدفقك تقومين برحلة شاقة لاسترجاع ما كان بيننا، شعرت بحزنك طازجا وكأن الفقد قد حدث الآن وليس قبل سنوات، لمحت قلبي إذ يتعلق بك تعلقا يجعله يجري خلفك مبهور الأنفاس، حسدت أناملك وقد عرفت طريقها لواحة كفي، حسدت شوارع حنونة ضمتنا، حسدتك علي الذكري المقيمة التي تصلح زادا من الأمل يكفي لمواصلة الحياة.

هي: عد أو لا تعد.. فلقد سكنتني دروعك التي أحتمي بها، من نفسي ومن أفكاري، أخوض معركتك التي تقويني علي احتمال حبك.


هو: ومهما ابتعدنا ستكونين في أفقي.. فواصلي عزفك علي أوتار قلبي.. اغمسيني في ألمك وليل حرمانك وملوحة دمعك لكي ينتفض قلبي حبا لك وشفقة عليك ولو من خلف السماء في يوم عيدنا من كل عام.




زينب حسن

فى 6 يوليو 2009

الاثنين، 29 يونيو 2009

الساحرة


في العام الماضي أسعدني الحظ لرؤية معرض الفنان أدهم لطفي بمكتبة البلد، ووسط خطوطه التي أبدع بها ملامح المشاهير في بورتريهاته العبقرية، استوقفني وجه تلك الريفية بطرحتها السوداء ويدها الملقاة علي خدها، فتهت معها في نوبة سرحان أتأمل نظرتها العميقة.. كان هذا الوجه الحزين لسعاد حسني، الذي ربما استوحاه أدهم من شخصية "فاطمة" في فيلمها الشهير "الزوجة الثانية"، وأراد به أن يبتعد عن ملامح البنت الشقية خفيفة الظل التي اعتاد الفنانون تصوير سعاد عليه.
في هذا المشهد البديع تخيلت سعاد وكأنها تقف في لحظة تأمل، تسترجع تاريخها الدرامي الطويل، منذ قدمت إلي الحياة بين ستة عشر شقيقا وشقيقة، لكنها رغم ذلك نسجت أول خيوط عزلتها عندما انفصل أبواها وهي في الخامسة من عمرها، فتمزقت بين حنان الأم الضائع وفقر الأب الذي حرم بناته من التعليم، وتأتيها قشة النجاة من زوج والدتها الذي ساعدها علي التعليم في البيت، وزوج أختها سميرة الذي علمها الموسيقي والغناء، واستطاع أن يقدمها للإذاعة في برنامج "بابا شارو"، ليلتقطها عبدالرحمن الخميسي واختارها لتقوم بدور أوفيليا في مسرحيته "هاملت شكسبير".. وتبدأ بعدها مشوار النجومية حينما رشحها للمخرج بركات عام 1958 في فيلم "حسن ونعيمة".منذ ذلك الحين استطاعت سعاد أن تمارس قدرتها البارعة علي التلون، ومن دور إلي آخر نفذت كالساحرة إلي قلوب الناس، بجاذبيتها الآخاذة وروحها الفياضة، نصدقها حين تضحكك وتدمي قلوبنا حين تبكي.. وبين هذا وتلك تقف هي وحيدة رغم كل العاشقين الذين ترنحوا أمامها، ورغم زيجاتها المتعددة لم يستطع أحد منهم أن يداوي جراحها المكبوتة التي اعتادت أن تحرقها في كل شخصية جسدتها، تفننت في حريق الجسد المشتعل الذي أغوي الملايين، لكنه كان الجسد الذي كانت روحها وقوده الدائم.هذه هي سعاد حسني تلك الطاقة الحية التي لم تتوقف عن الاشتعال إلا بعد أن غاب عنها مرشدها ورفيقها صلاح جاهين، ذلك العبقري الذي انتشلها من نفسها وهداها إلي مواطن الدهشة المطلقة بداخلها، ورفعها علي عرش النجومية ملكة متوجة.. وهجاً دائماً.. وجمرة أطلت علي الشاشه لتشحن في النفوس طاقه الإعجاب والولع، وتخلق للمرأة صورة جديدة، تتطلع كل أنثي أن تكون عليها، ويطمح كل رجل أن يجد في امرأته شيئا منها.ذهبت سعاد بملهاتها ومآساتها، ورغم الحكايات الدرامية عنها ووجها الحزين الذي كان الأقرب لنفسي، لكنني في ذكراها الثامنة أراها في عالمها الآخر وقد خلعت طرحتها وارتدت فستانا كاشفا لتبدو مثل تلك الريفية في مشهد البداية بأحد الأفلام الإيطالية، حين ظهرت قدميها الممشوقتين الناصعتين البياض، وباتت الصورة تقترب لتكشف عن جمالهما أكثر وهي ترفع طرف فستانها لتجمع ما تستطيعه من نبات الكرز الأحمر، وبعد أن اكتفت تسير وسط المزارع فرحة بحصادها، وتمسح إحدي الحبات بحكها علي صدرها، ثم تتناولها وقد غمرتها النشوة في مشهد لا نعرف أيهما (المرأة والكرز) ذاب في الآخر..

زينب حسن

29 يونيو 2009

الاثنين، 22 يونيو 2009

رسالة

وقف الجزار يسن سكينه ويجهز عدته، ويمعن النظر في خراف الزريبة.. التي تأكل وتشرب، وكأنها جاءت بضمان الخلود، ووقع اختياره علي أحد الخراف، وأمسك بقرنيه يسحبه إلي خارج «الزريبة، ولكن ذلك الكبش كان ذا بنية قوية وقرنين قويين، وقد شعر برهبة الموت القادم، فقرر أن يتجاهل الوصية رقم واحد من دستور القطيع -وهي بالمناسبة الوصية الوحيدة فيه- وتقول: حينما يقع عليك اختيار الجزار فلا تقاوم فهذا لن ينفعك، وقد يعرض حياتك وحياة أفراد القطيع للخطر.
انتفض الكبش كالأسد الجسور، واستطاع أن يفلت من بين يدي الجزار الذي لم يكترث بما حدث كثيرا، فالزريبة مكتظة بالخراف ولاداعي لتضييع الوقت في ملاحقة ذلك الكبش "المشاغب"، وأمسك بخروف آخر وجره من رجليه وخرج به من الزريبة إلي المسلخ، كان الخروف الآخر مسالما مستسلما ولم يبد أية مقاومة، إلا صوتا خافتا يودع فيه زملاءه، وهكذا بقيت الخراف في الزريبة تنتظر الموت واحدا بعد الآخر.في مساء ذلك اليوم فكر الكبش الشاب في طريقة للخروج من زريبة الموت وإخراج بقية القطيع معه، فأخذ ينطح سياج الزريبة الخشبي حتي كسره، ليجد نفسه في الخارج، ثم صاح في رفاقه يطالبهم بالهرب معه.. ولكن كانت المفاجأة أن أحدا لم يتحرك، بل أخذوا جميعا يشتمونه ويلعنونه ويرتعدون خوفا من أن يكتشف الجزار ماحدث.تحدث أفراد القطيع مع بعضهم فيما فعله الكبش وجاء قرارهم النهائي بـ"الأغلبية"!في صباح اليوم التالي دخل الجزار إلي الزريبة ليكمل عمله فوجد سياج الزريبة مكسوراً، ولكن القطيع موجود بكامله ولم يهرب منه أحد.. ثم كانت المفاجأة الثانية حينما رأي في وسط الزريبة الكبش الشاب ميتا، وجسده مثخنا بالجراح وكأنه تعرض للنطح.. نظرت الخراف إلي الجزار بعيون الاعتزاز والفخر بما فعلته مع ذلك الخروف "المشاغب" الذي حاول أن يفسد علاقتهم به.حينها قال الجزار: أيها القطيع كم افتخر بكم، وتقديرا مني لتعاونكم فلن أقدم علي سحب أي واحد منكم إلي المسلخ بالقوة كما كنت أفعل من قبل، فقد اكتشفت أن ذلك يجرح كرامتكم، كل ما عليكم أن تنظروا إلي تلك السكين المعلقة علي باب المسلخ، فإذا لم تروها معلقة فهذا يعني أنني أنتظركم بالداخل.
هذه القصة وصلتني من أحد القراء علي الايميل.. وبدوري أهديها إلي نواب مجلس الشعب بمناسبة انتهاء الدورة البرلمانية.
زينب حسن
22 يونية 2009

الاثنين، 8 يونيو 2009

محرقة المصريين

كان محمد تلميذا نابغا بمدرسة طيبة للغات، عقليته الفذة دفعت أساتذته لنصيحة أبيه بضرورة إلحاقه بسنة دراسية أعلي حتي لا تضيع عليه السنوات في تحصيل مواد أقل من قدراته العقلية.حاول الأب إخضاع ابنه لاختبار قدرات وإلحاقه بالسنة الملائمة لإمكانياته في أي مدرسة أخري، لكن القوانين العقيمة وقفت أمام تحقيق رغبته فلم يجد سوي المدرسة البريطانية بمدينة الرحاب، التي رحبت به، وبالفعل قفزت به عامين دراسيين في المرحلة الابتدائية.
انتقل محمد من عام إلي آخر بتفوق، متجاوزا زملاءه المصريين والأجانب، ورغم المصروفات الباهظة التي تكبدها الأب، إلا أنه كان يري في ولده استثمارا حقيقيا، سوف يؤتي ثماره، وربما يصبح في الغد زويل جديداً.منذ أيام دخل الأب علي محمد فوجده منهمكا في الكتابة ودموعه تنهمر من عينيه بغزارة، فظن للوهلة الأولي أن ابنه الذي دخل مرحلة المراهقة يكتب خطابا غراميا يبث فيه لفتاته لوعة أشواقه وحرقة قلبه، وكانت المفاجأة.لقد وجد الأب ابنه يكتب قصيدة شعرية باللغة الإنجليزية علي لسان أحد ضحايا اليهود الذين عذبهم هتلر في محرقة "الهولوكوست"، وراح الولد ببراعة يصف معاناة اليهود الذين أحرقوا وشردوا وهجروا، ويزداد بكاؤه مع سرده للكلمات أمام أبيه الذي صعقته الصدمة، وعرف بعدها أن مدرسته البريطانية كلفتهم في حصة التاريخ، بأن يتخيل كل منهم نفسه أحد ضحايا اليهود ويعبر عن مأساته في نص شعري أو نثري.اشتاط الأب غضبا وذهب في اليوم التالي للمدرسة متسائلا عن طبيعة المنهج الذي يدرسه ابنه، وطالب بالتحقيق في الموضوع، لكن المدرسة لازمت الصمت فعقد الأب العزم علي نقل ابنه لمدرسة أخري بعد انتهاء امتحانات آخر العام.هذا ما حكاه لي السياسي البارز ورجل الأعمال مجدي المعصراوي الذي يعيش الآن مأساة حقيقية بعد أن شوهت أفكار ابنه محمد، محاولا تصحيحها عبر جهد ربما ينجح فيه بما يمتلكه من وعي ومعرفة، ولكن ماذا عن الطلبة الآخرين الذين انساقوا وراء هذه الأفكار المغلوطة، ليزج بهم في محرقة جديدة لتشويه الهوية.وبالطبع ليس هناك حاجة للسؤال عن وزارة "لا تربية ولا تعليم" التي سمحت لهذه المدارس أن تعيث فسادا في عقول أبنائنا، لتصور اليهود وكأنهم وحدهم المعذبون في الأرض عبر صفحات التاريخ الأعمي الذي أسقط عن قصد مآسي ملايين الجزائريين الذين مورست ضدهم أبشع صور التعذيب تحت الاستعمار الفرنسي، وحتي الآن مازالت آلة الاحتلال الأمريكي والبريطاني تشرد وتعذب وتقتل العراقيين كل يوم، تزامنا مع استمرار الاسرائيليين في تصفية الشعب الفلسطيني.ورغم فداحة ما ترتكبه المدارس الأجنبية، فإنه لا يوازي ما جلبته علينا سياسات العولمة والانفتاح علي الآخر من خراب في مدارسنا، وتضافرت معها يد سماسرة تفكيك الوطن، الذين أقروا أخيراً رفع أي مواد تعليمية بها ولو أدني شبهة عداء لليهود، إعلاء لفضيلة ما يسمونه "السلام" الذي يصبح رذيلة حين نرفع أصواتنا مطالبين بالعدل وعودة الحقوق لأصحابها والحفاظ علي هوية شعوبنا!


زينب حسن
8 يونيه 2009

الاثنين، 18 مايو 2009

البدايات


أريد أن أكون كوميض تليفوني المحمول ضئيلا لا يغني ولا يشفي حنيني للنور، لكنه يستطيع أن يكسر حدة الظلام بقدر ما يحمل من طاقة شحن.. مالي وكل هذا الحديث عن العنف وأخبار القتل وضيق العيشة واللي عايشينها.يكفيني خفقة قلب لايزال يتمسك بك ويعيش علي أيامك، فلماذا غابت طلة وجهك وابتسامته الأثيرة؟.. ربما لأني تجاوزت حدود البدايات وغمرتني مياه الحياة بصخبها وصراعاتها وجنونها اللاهث وراء لا شئ.
نعم هي البدايات التي تسكننا بالدهشة حين نكتشف جديدا كوليد جاء إلي الحياة توا، يتعلم أول حروف الكلام وتخطو أرجله الضعيفة علي الأرض التي يظن أنها مازالت رحما والبشر من حوله مشيمة تغذيه وتعلمه فنون التواصل والاندماج. عن الحلم أتحدث، ليس ذلك الحلم الذي نراه في المنام، بل هو الأمل الذي يحتوينا حين نفكر في الغد ونتجاوز فيه جغرافيا الأماكن والبشر والأزمنة، لتوقيت جديد نريد أن نصنعه ويغاير حاضرا لم يكفنا أو يرضنا.فلمن يقول إن الهم ثقل علي القلب، فالهم متعة حين يسكنك بالحلم، وتدرك أن وجودك مرهون بوجوده، هذه ليست بدعة أو نصاً من رواية في كتب الحواديت، بل هو اليقين ذاته حين نصدقه ونعيش له وبه ومن أجله ونراهن علي تحقيقه ما حيينا.. فلماذا فقدنا الحلم ولماذا تجاوزنا البدايات؟وكما يقول درويش: لا أريد من الحب غير البداية، أريد العودة لجغرافيا البشر الطيبين الذين انتميت لهم وآمنت بهم عقيدة تعينني علي الهداية والطريق القويم، لماذا افترقت بنا الطرق، أين تلك الملامح المنهكة التي ترتسم علي تجاعيدها السمحة خريطة شعبنا، كيف كساها كل ذلك الجمود، وأين ذهبت قدرتها علي التسامح والغفران والرحمة؟استمرار الحلم يعني الوقوف عند زمن البدايات، وحين تغيب الدهشة يفقد الحلم أروع ما فيه، وربما هذا ماحدث حين ننظر الآن لأنفسنا ومن حولنا، أسياج من الخوف والانكسار وفقدان الأمان والأمل، علي صفحات الجرائد وفي نشرات الأخبار وفي أحاديث البيوت.... نعتصر أفكارنا لمعرفة السبب! دون أن نتساءل أين أحلامنا الصغيرة؟ أين أصدقاؤنا الأوفياء؟ أين الأحبة؟ أين الوطن؟ أسئلة لا تنتهي ولن تنتهي لأن فيها الإجابة عما نتحاشي الحديث عنه، ورغم أن من نسأل عن غيابه يحملنا بهم كبير، ربما يكون وجوده أيضا هماً، لكن شتان بين الهمين، فالأول موت، والثاني هو الحياة ذاتها، نعم ما أجمل ذلك الهم الذي نحمله اختيارا، وكما الجبال وضعت لتستقر الأرض، يجب أن نستمر في حمله، ونفسح له بداخلنا مكانا للغفران والأمل والإيمان، ونثق أننا نستطيع التمسك بالأحلام دون أن نتجاوز دهشة البدايات.
زينب حسن
18 مايو 2009

الاثنين، 11 مايو 2009

الولد الشقى

منذ خمسة عشر عاما كنت أحبو في بلاط صاحبة الجلالة، ألهث وراء الأخبار والموضوعات، وأفتش في كل مكان علي من يعلمني الجديد في عالمها اللامتناهي، وكان مقر نقابة الصحفيين إحدي الساحات التي تعج بالأحداث التي تستقطب النجوم في مختلف المجالات، وحين انتقلت النقابة إلي مقرها المؤقت برمسيس، كان نادي الصحفيين النهري بالبحر الأعظم ملجأنا الذي نحتمي فيه أنا وزملائي، فلم نكن حصلنا بعد علي كارنيه النقابة وكان تواجدنا فيه نوعا من الاعتراف الضمني ولو داخلنا بأننا ننتمي لهذه المهنة العظيمة.
في النادي النهري كان لقائي بعمدة الساخرين محمود السعدني، الذي أبعده المرض منذ سنوات، مرت في صمت لم نعتاده علي الرجل المشاغب الذي أضحكنا ورسم في قلوبنا فرحا لم ولن ينتهي.ويعود الفضل للسعدني في تأسيس النادي الذي أشرف عليه وسارع في الانتهاء منه، متطوعا بمحبة إلي مهنته وزملائه.. كنا مجموعة من الشباب الصغار نلتف حوله مع ضيوفه من نجوم الفكر والأدب والسياسة والفن، وكان هو نجما فوق العادة يتحدث طوال الوقت بملامح جدية تخرج من بين ثناياها القفشات والكلمات التي تذوب معها الشفاه وتتهدج معها الأنفاس، وحينما يسترجع بعض المواقف التي مر بها يرويها بقدرة فائقة لا تعرف عندها الفارق بين الجد والهزل، لكنك تشعر بخبرة الرجل ودرايته ومعاناته.. وتلك مدرسة في عالم الكتابة الساخرة ربما لها العديد من الأساتذة الكبار أمثال السعدني وأحمد رجب وبيرم التونسي وصلاح جاهين وغيرهم، لكن تلامذتها قليلون ولا نكاد نشتم رائحتها سوي في كتابات جمال فهمي وجلال عامر وبلال فضل لا غير.. وتلك قضية كبيرة تجعلنا نتساءل: أين ذهبت الضحكة وصناعها من أبناء "الشعب ابن النكتة". كلمات السعدني كانت كالرصاص لكنها الصدق بعينه، صدق الرجل الذي اعتاد أن يقول كلمة حق دون أن يخشي فيه لومة لائم، وهذا ما جعل حياته قسمة بين السجن والنفي والسفر الطويل، لكنه مع ذلك صنع تاريخا باهرا في عالم الكتابة الساخرة التي أضحكتنا رغم أن صاحبها كان يتمرغ في بحور الألم، ودفع ثمن مواقفه من عمره وصحته، خاصة في فترة حكم السادات.
وأنا أطالع في مكتبتي مذكرات السعدني "الولد الشقي" استرجعت تلك الأيام، ومن بين الصفحات خرجت ضحكاتي رغم ما تحمله من أسي صاحبها، وتلك مهارة لا يملكها إلا أمثال محمود السعدني الذي استطاع أن يصنع من الضحكة الصافية نسمة هواء تنعش القلوب، ورشفة مياه ترويها في عطش الأيام الحزينة، لكنها تختلف عن الماء والهواء بأن لها طعماً ولوناً ورائحة، طعم صاحبها بشخصيته وعبير موهبته.شفاك الله ياعمنا بقدر ما أبهجتنا وأمتعتنا
ويا للي انكتب عليك العط
اصبر دا الرب مش ناسي
زينب حسن
11 مايو 2009

الجمعة، 20 مارس 2009

زواج "تيك أواى"

يوم الاثنين الماضى صدرت فتوى من دار الإفتاء بإباحة زواج المسيار فى مصر بشرط موافقة رئيس الجمهورية على اعتبار أنه "ولى الأمر".. ولعلنا هنا نتذكر الفيلم الساخر "جواز بقرار جمهورى" للمخرج خالد يوسف، الذى قامت فيه الدنيا وقعدت لمجرد حضور الرئيس حفل زفاف أحد أبناء الفقراء فى المناطق التى لا يعلم عنها ولى الأمر شيئا، هذه المرة المفروض أن يوافق الرئيس على الزواج من عدمه..
فعلى الرجل أن يتقدم للرئيس حين يريد الزواج من فتاة فى الغالب ستكون أرملة أو مطلقة أو ضمن طوابير العوانس اللاتى استحال عليهم الزواج فى عصر نظامنا الميمون.. ولكن ماذا إذا كانت إحدى الفتيات الجميلات التى ترغب فى الستر لكنها ومن تحب لا يملكان نفقات الزواج وبالطبع لن يبادر الرئيس بتحمل النفقات، وإن حاول سيقنعه معاونوه ألا يفعل وإلا توافد الملايين عليه من الطامعين والنصابين.
وإذا تساءل الرئيس ما الذى يدفع هذه الفتاة الجميلة لكى تتزوج وتسقط جميع حقوقها بلا سكن أو نفقة، من المؤكد أن المعاونين سيقنعوه أيضا بأن هذا آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة فى الزواج، وقد نجحت التجربة فى كوالالمبور وجزر الكاريبى وحتى فى جزر القمر!
وبعيدا عن السخرية على شر البلية نعود إلى ذلك الزواج الذى أباحته المجتمعات الخليجية المكدسة بالعمال الأجانب كثيرى السفر والتنقل، وحتى يعصموا أنفسهم من الوقوع فى الخطأ يتزوجون فى البلد الذى يقيمون فيه وتظل الرابطة الزوجية قائمة حتى يعودوا إلى بلدانهم، لكن إباحة زواج المسيار فى مصر يعد اعترافا صريحا بجملة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التى نعانى منها وأدت بنا إلى أزمات السكن والبطالة وارتفاع نسب العنوسة بين الشباب مما يدفعهم إلى هذا الزواج الذى يظل الزوجين كل فى بيت أهله.
ويأتى هذا الزواج المسيار ليكمل سلسلة زيجات "التيك أواى" كالزواج العرفى و"الفريند" وزواج الدم، تلك التقاليع التى ابتكرها الشباب للتنفيس عن شحناتهم العاطفية والجنسية، ورغم أن هذه الزيجات حللها بعض علماء الدين، إلا أن الحملات الإعلامية الشرسة عليها ربما أتت بنتيجة ما فى الحد منها، فتأتى دار الإفتاء المصون ومن قبلها شيخ الأزهر الحالى سيد طنطاوى ليحلون زواج المسيار الذى يعطى لهؤلاء الشباب رخصة المأذون، رغم معارضة علماء كثر كان على رأسهم الشيخ الجليل جاد الحق على جاد الحق الذى قال أنه يساوى زواج المتعة وكلاهما حرام.

والسؤال الآن كيف لنا أن نقبل مثل هذه الفتاوى التى تحلل لنا كل ما هو حرام ومكروه لخدمة أولى الأمر؟.. وإلى أين سيصل بنا الحال مع الاستمرار فى بناء منظومة التفكك التى طالت كل شئ فى حياتنا؟ وهل أصبح كل شئ مباح بسبب هذا المعلون المسمى الفقر، وكيف تتكون أسرة سليمة وأبناء أسوياء حيث لا سكن ولا مودة ولا رحمة ولا حقوق؟.. الله وحده يعلم!

زينب حسن
20/3/2009




الاثنين، 9 فبراير 2009

علاء الديب..


إلى صاحب «زهرة الليمون» عيد ميلاد سعيد
ليس من المهم تحديد المكان، فهو أشبه بمزيج من جغرافيا البشر كما يصنعها الكاتب المبدع علاء الديب فى خرائط رواياته وتراكيب شخوصه.. المهم هى تلك اللحظة التى يشرف كاتبنا فيها على السبعين، الجميع حاضراً.. نفس الملامح وذات الوجوه لكنهم فى هذه المرة قرروا أن ينسجوا من أنفسهم ولأنفسهم عالما مختلفاً فى لحظة غير متكررة.
فها هو عبدالخالق المسيرى ينفض شوائب ماضيه الحزين، ويمسك بزهرة ليمون ناضجة يهديها للديب بعد أن حكى له كيف روى زهوره الجافة أمام بيت العائلة، وأعاد لها وله حياة كم تمنى أن يعيشها دون سقطات أو حزن على ما اقترفته أهواء السياسة وفساد الضمائر.
بجانبه وقف منير فكار بعد أن تخلى عن نهمه فى جمع المال، وإلى جواره ولديه وابن عمه محمود، القسمات هادئة عليها سكينة وليس غريبا فى هذه الأجواء أن تأخذ سناء فرج مكانها بين الجميع، نلمس كيف يمكن للمرء أن يتناسى أوجاعه وأحزانه، حتى يقرر أن يبادر بالغفران والتسامح مع الذات قبل الآخرين.
فى الخلف وقف عم رجب والدادة نجية وسيد زينهم وزوجته وضابط نعرفه جيداً وآخرون، والكل يحمل فى يديه زهور البنفسج.
جاءوا للاحتفاء بصانع ملامحهم ومحدد قسماتهم.. جاءوا للحظة تصالح مع ذواتهم التى اعتصرتها الحيرة وتقاذفتها تناقضات نفوسهم، معلنين دخولهم إلى عالم بشرى خالص، على قناعة تامة بأنه متى وجدت الملائكة وجدت الشياطين، وعلينا التأمل والحذر والتعاطى فى عوالم لابد وأن تجمعهما.
فى هذا الجمع يظهر لنا ذلك الكائن الذى نشعر به حاضراً فى كل أعمال علاء الديب، جاء الزمان متجسداً فى لحظة غير مسبوقة يحمل هو أيضا زهور البنفسج، متجاوزاً كالمعتاد حدود المكان، وكما اعتاد التحم بجغرافيا تلك الشخصيات لتبدأ مراسم الاحتفال.
وعذراً، سمحت لنفسى أن أقتحم الجمع وأحمل مثلهم الزهور، وكلنا قد عدنا للبراءة والنقاء وكأننا «أطفال بلا دموع» للتو جئنا للحياة.
جرأتى على الانضمام لهم سببها معرفتى الجيدة بهم، أردت أن أعايش لحظتهم الراهنة، كما عايشت ذكرياتهم وحكاياتهم، فكم عبروا فى كثير من الأحيان عن أشياء هى منى وكنت منها، الغضب الجم، والرومانسية الحالمة، والحزن العميق، والآمال الطموحة، والرغبة الدائمة فى تغيير الواقع.
إنها لحظة التصالح.. لحظة الحقيقة.. لحظة الأمل فى تكملة المشوار مهما عانينا من قسوة الظروف وتناقض النفوس، كما تمرس واعتاد أن يفعل علاء الديب.
وإذا كنت حملت له زهرة فقد أهدانى من قبل ألف زهرة.

زينب حسن

9/2/2009

الجمعة، 30 يناير 2009

أيام الديسك والميكروباص

الميكروباص والديسك.. من دفتر أحوال المصريين

رغم أنهما عالمين مختلفين تمام الاختلاف إلا أن حمدى عبد الرحيم فى كتابه "فيصل- تحرير.. أيام الديسك والميكروباص" استطاع أن يلتقط الرابط بين يوميات وسيلة المواصلات الأوسع فى مصر "الميكروباص" وبين مطبخ الصحافة حيث تعد المواد الصحفية لتكون صالحة للنشر "الديسك".

تجربة فريدة كتبها حمدى بأسلوب أدبى ساخر ممسكا بخيط (العبث) التى باتت عليه حياة المصريين، مستشهدا على هذا بإهدار السلطة التنفيذية لحديقة أثرية عمرها 130 عاما فى منطقة حلوان وتخصيصها للميكروباص، وهو نفس العبث "الذى يرغم الديسك على تحرير صفحات لا علاقة لكتابها بالكتابة.. حتى أن البعض شبه عمل الديسك بالخدمة فى البيوت.

فيقول: "هنا تجد مهنة تنهار وجماعة بائسة تحاول إقامة السدود فى وجه طوفان قادم" مضيفا أن الديسك والميكروباص وجهان لعملة واحدة وهما دليل على متغيرات سياسية واجتماعية وثقافية تعرض لها المجتمع المصرى فى السنوات الاخيرة.

وعن الميكروباص "لم يكن قبل سنوات يمثل ظاهرة ثم أصبح له وجود محدود كبديل للطبقة الوسطى عن ركوب الأتوبيسات العامة التى صارت وسيلة غير أدمية، وانتهى الامر بالميكروباص ليصير هو الاخر وسيلة غير ادمية بعد اختفاء المواصلات العامة تقريبا من الشوارع".

ويقول أيضا: "كانت البلاد قد شهدت العصر الميكروباصى الأول وعلامته الفارقة أن سائقى الميكروباص كانوا جماعة من المصريين لهم ما للمصريين وعليهم ما على المصريين... ويستطرد: اشتد ساعد الحضارة الوليدة وتراخت قبضة الحكومة فصال الميكروباص وجال وأصبحت كلمته هى العليا وكلمة الحكومة وما تبقى من أتوبيساتها هى السفلى، فاعترفت البلا بحكومة العصر الميكروباصى الثانى"...
الكتاب الصادر عن مكتبة مدبولى أشبه بوثيقة اجتماعية عن حياة الناس، لاقت اهتمام العديد من الكتاب أمثال علاء الأسوانى الذى كتب مقدمته، وتم نشر العديد من المقالات حوله فى معظم الجرائد وكذلك نشرت عنه "وكالة رويترر" مقال كبير تحت عنوان "كتاب عن ظاهرة الميكروباص يلقي أضواء على تحولات المصريين".
فى فصوله الـ 30 يمتلأ الكتاب بحكايات كثيرة بدأها بتصنيف دقيق عن سائقى الميكروباصات تحت عنوان "أنواع القادة" وقسمهم إلى أنواع، وهم:
- الثوار: الشرسون مع الركاب والحريصون على رعب الركاب.
- المتطرفون: الذين لا يرضيهم تعامل بعض القادة مع الركاب بليونة ودائما ما يقود بسرعة جنونية ولا يتعقل إلا إذا تصدى له أحد الركاب.
- الدجاج: أطلق عليه أصحابه اسم "فرخة" وهو من له سابقة جنائية ولا يبالى بالسجن بل يحن إلى العودة إليه.
- السنية: ووصفهم بأنهم كربونة من أسامة بن لادن، وهو المتدين الذى يحرص على قول "إن شاء الله" حتى لو كان الفعل ماضيا.
وهناك المعاش والروش والمستغنى .
- المصرى: الذى يحب مهنته ويرى أن الله خلقه لهذه المهنة التى يراها سيدة المهن.
أما الركاب قسمهم عبدالرحيم إلى:
- الذاهلون: وهم الأغلبية المكتسحة، حيث إنه بين كل 14 راكبا هناك على الأقل 8 منهم، وهم الذين طحنتهم لقمة العيش وخاصموا التفاعل مع أى شىء. العاديون: وهم أصحاب مبدأ "معاهم معاهم عليهم عليهم". وهناك أيضا الثقلاء والمناكفون والمختالون والموبايليون والقراء والفضائحيون والمحرضون، وأيضا المصريون ولاد البلد الطيبون.
-
والديسكاوية أيضا صنفهم إلى 13 نوعا، ومنهم: أصحاب الرسالة: الذين يحبون الديسك ويعملون بنشاط ولايشكون هموهم لأحد. المعذبون: وهؤلاء عددهم يفوق الحصر ويشتكون دائما من تدنى مستوى كتابة المحررين ويسخطون على توجهات الجريدة التى يعملون بها. الجهلاء: وهم نوعان، جهلاء مسنودون تربطهم برئيس التحرير أو الناشر علاقة مميزة جدا، وجهلاء مساكين وهم الذين تقدم بهم العمر ولا يصح أن يظل محررا فيوضع فى الديسك على سبيل المجاملة. المخبرون: ويعملون لصالح رئيس التحرير أو للناشر أو لجهات خارج الجريدة. وهناك أيضا الحثالة والمرحليون والأشرار والخائفون والطوافون.
وفى استعراضه لحكايات الناس سواء فى الجرائد التى يعمل بها أو فى الميكروباص يلتقط عبد الرحيم وسط السواد بعض النماذج المضيئة سواء بذكره لبعض زملائه من نجوم الصحافة أمثال: أكرم القصاص وخالد البلشى وبلال فضل وغيرهم.
ومن حكايات الناس الفقراء فى الميكروباص هناك نماذج مثل:
مديحة: التى تتشاجر مع زوجها لأنه استضاف أحد قريباته ولا تستطيع أن تجلس معه على راحتها، وهنا يتشارك الركاب مع الزوج والزوجة فى حل المشكلة باقتراحاتهم، وينتهى الأمر بأن تعرض سيدة مسنة عليهما أن تسكن الضيفة معها لأنها تعيش بمفردها.

أم تامر: هذه السيدة الفقيرة التى ساعدها جارها فى أن يلتحق ابنها تامر بقطاع الناشئين فى النادى الأهلى واشترى له ملابس تليق بالنادى الكبير وتذهب كل يوم معه إلى النادى لكنها تتنتظر فى الخارج حتى لاتتحرج أمام سيدات المجتمع الراقى.

أسطى خليل: سواق الحياة الذى تعرض للفشل طوال حياته وسافر للعراق وأخذت خطيبته وأهلها كل أمواله لكنه فى النهاية تزوج من سيدة جميلة وطيبة غيرت له حياته وأصبح راضيا قانعا وابتعد عن كافة الرذائل التى كان يمارسها.

ونماذج أخرى بعضها ساخر والآخر يدعو للحزن، لكن عبد الرحيم يختم تجربته بأمل وتفاؤل وهو يسير فوق كوبرى الجلاء بصورة الصياد وابنه الفرحان بالسمك فى قاربهما الصغير فيبتسم الأب ويحتضن ابنه الذى ينام ويحلم بخير وفير فيقول حمدى لنفسه " توقف الآن لن تخسر شيئا ستربح صورة طفل نائم وعلى شفتيه ابتسامة، توقفت فاتحا قلبى للبشارة".
زينب حسن
30/1/2009