الاثنين، 8 مارس 2010

عالم الطباشير


قادتني الصدفة بصحبة ابنتي لرؤية أحد أفلام الكارتون بعنوان «عالم الطباشير» علي إحدي قنوات الأطفال، حيث يخوض طفل صغير مغامرة مشوقة بعد أن اكتشف قطعة طباشير سحرية، استطاع بها أن يرسم عالمه الخاص محاولاً بخياله البرئ الإمساك علي لحظة رفض يقص فيها تشوهات الزمن وعبثه، ويبقي فقط علي الأشياء الجميلة.

أعجبتني الفكرة ورحت معها بعيداً لأمتلك مثله قطعة طباشير سحرية أرسم بها عالمي الخاص.. الأحلام الكثيرة تستعصي أحياناً علي الخيال، لكنني حسمت أمري وقررت الهروب ولو بالطباشير إلي هذا العالم الذي يسكنني، وأصبحت الرسوم هوايتي اليومية.

رأيتني أجري فوق تلك الرمال الفضية التي ينعكس عليه ضوء القمر، فتلامس قدماي مياه البحر المتوسط من خلف جبال الأطلس في الشمال الجزائري، تداعبني لمستها الباردة، لا شيء حولي سوي صوت النسيم متشابكاً مع هدير الأمواج، فأرقص وأقفز لأري عن بعد كيف تشاركني أوراق نخيل العراق الرقص فرحاً.

وفي قفزة أعلي أصعد علي أحد جبال لبنان في الربيع حين تنضج أشجار الآرز.. فأجلس أتأمل روعة صمودها وأختلس النظر لأسمع صمتها الذي يرميني بخفة في ذلك البيت الدمشقي القديم.. أتمدد علي جلسته العربية في الصحن المكشوف، وتنفذ أشعة الشمس بين ثنايا ملامحي، وتعطيني سمرة أحبها أدفء معها الروح التي هاجرت من أرضها إلي أرضها لكي تنعم بالصفاء.

ومن البيت إلي شوارع القاهرة تقذفني خطوط الطباشير الملونة في الليالي الساحرة التي تضيء البيوت الصامتة، أعبر فيها بقلوب الناس الحالمة بالتغيير من رصيف إلي ميدان حافية القدمين، لأنسي ذلك الجسد المكبل بالزمن.. لا أعرف هل أتنقل بالخطوات أم أطير؟

تلمسني الشوارع والبيوت وأحلام الناس فأحملها معي إلي أعلي قمم جبال عمان بالأردن، وألمح من فوقها قبة الصخرة وبيوت القدس وجوامعها وكنائسها ومعابدها.. ها هي قريبة.. كم أتمني أن أخطو فوق ترابها المقدس وأذوب بين حباته بلا عودة.

يا الله.. ما هذا السحر؟.. أسأل نفسي أهو خيال الأحلام أم أنها الأماني العصية التي لا أعرف من فينا يسكن في الآخر.

وهكذا استغرقتني الفكرة حتي اتحدنا سوياً لنرسم ونحلم ونتمني.. عشقاً في الأحلام وذوباناً في الأماني وهياماً في الحب الذي فطرني علي الإيمان بأننا لدينا ما هو أكثر من الخيال لكي نكمل المشوار.

زينب حسن

8/3/2010

الاثنين، 1 مارس 2010

بالصمت علمتنى


ربما لم يحن الوقت بعد لأكتبك كما كتبتني عمراً، لكني في أشد الحاجة لكي أتنفس، أذهب ولو بكلمات قليلة للأحلام التي عشقتك فيها فارساً يصول بصمت حنانه ويجول في قلبي الصغير.

يذهب الكثيرون لنعرف بعدهم كم كنا بحاجة لزمن أطول حتي نقول لهم ما لم تساعدنا الأيام علي ذكره، لكني كنت دوماً أدرك أن دنياي لا تعني شيئاً بدونك..

مثلما كنت تحملني يا أبي، كنت دوماً أحملك عبيراً لأيامي.. سيفاً لمواجعي، حضناً لأماني، يصونني بريق عينيك اللتين لم أحب نفسي إلا فيهما.

لست بحاجة للعودة إلي الوراء، لأنك عصي علي النسيان، فضحكتك الخجولة مازالت قادرة علي أن تلملم أشلائي، ومازلت أتوضأ بصمتك النابض الذي علمني صلاة العصيان علي الانكسار.

مثلما تحملتني يا أبي، احتملت وجعي عليك، حين أشفقت علي من الحزن، وغرست ذراعك من تحت ذراعي لنمشي سوياً في الطرق الضيقة بحثاً عن شفاء لأوجاع جسدك.

طغت روحك علي الألم، فحاولت أن أرتقي لمداها، وما أحسبني قد نجحت، لكني أحاول من أجلك.

يوم غبت عنك استأثرت أنت بالسير في الطريق وحدك، وحينها ودعك محبيك في موكب عرس لم أحضره، وجلست متشبهة بصمتك أستمع إلي تراتيل الأريحية في اللحظات الأخيرة.

حينها فهمت رسالتك.. سوف تعودين لتجديني أفضل..

وها أنا كعهدك بي أكمل المشوار حتي ألتقيك، ذهبت وحدك حتي لا تحملني وجعاً آخر من أوجاع الوداع التي كنت تضمني فيها إلي صدرك، فتطيب نفسي وترضي لا لشيء إلا لأنك معي.

بالأمس أمطرت السماء علي غير عادتها سيولاً وثلجاً تلقفتها بيدي، وردد قلبي دعوة إلي الله لك بالرحمة والمغفرة.. فإذا بك تأتيني حلماً وترفع ثوبك عن يديك، وتقول: انظري ها قد طابت يا حبيبتي الجراح.

من جديد تحملني يا أبي، فطب واهدأ بالاً علي صغيرتك حتي نلتقي..


زينب حسن
1/3/2010