السبت، 3 مايو 2014

المخطوطات .. عقل العرب المكتوب

                                                     


-               مخطوطات أمهات الكتب.. عندما تكلم العلم بالعربية

-               القرآن الكريم أول مخطوط عربى وشواهد على كتابة السنة النبوية

-               جهاز ألمانى يحلل الأنسجة الورقية لمعرفة زمن كتابة المخطوطات

-               أبو حيان التوحيدى واسماعيل الجوهرى وياقوت الحموى أشهر "نساخ" المخطوطات

-               السيوطى يشكو من سرقة كتبه.. والجاحظ تنسب له مؤلفات لم يكتبها

-               دار الكتب والوثائق بها أكثر من 100 ألف مخطوط

-                70  ألف مخطوط مصور يقدمها معهد المخطوطات العربية للباحثين

 

كتبت : زينب حسن

ميراث ضخم تركه مفكرو العرب من عصر إلى عصر، بعلوم متنوعة وفنون متفردة، رمى فيها العقل العربى الإسلامى بثقله فى الحضارة الإنسانية، وأبدع لنفسه آفاقا لم يصل لمثله أحد من شعوب الأرض، تاركا ثروة علمية ومعرفية لكل باحث عن الحقيقة والإبداع.. ولعل مخطوطات العرب خير مثال على تلك الثروة التى  ينهل من جواهرها الثمينة كافة المراكز والمعاهد العربية والإسلامية والعالمية، كأحد مواطن تميزها وتباهيها بقدر ما تحتفظ من أصول خطها رواد العرب بأياديهم فى مختلف المجالات..

فما هو المخطوط؟

المعنى الاصطلاحى للمخطوط هو الكتاب الذى يحتوى على مادة علمية وخط باليد، وهو مرحلة الانتقال من التاريخ الشفاهى الذى اعتاد العرب به تناقل سيرهم إلى مرحلة الكتابة والتدوين، وحتى ما قيل على المعلقات التى كان يكتبها شعراء العرب ويعلقونها على الكعبة لم يثبت أنه تم تدوينها بشكل كتابى بل تم تناقلها عبر ألسنة من يحفظونها.

ويؤكد علم المخطوطات كما يخبرنا الدكتور أحمد عبد الباسط الباحث بمعهد المخطوطات العربية، أن أول نص عربى مكتوب هو القرآن الكريم، وبدأت قصة جمعه فى عهد أبو بكر الصديق، وكتب فى البداية على عصب النخيل، ثم (اللخاف) وهو العظام الأبيض للجمال، إلى أن كتب على (الرقوق – جمع رق) أى ما رقق من الجلود للكتابة عليه، ويقال أن هناك أربعة مصاحف منسوبة لعهد الخليفة عثمان بن عفان تم توزيعها على الأمصار الأربعة يوجد نسخة منه فى دار الكتب المصرية ونسخة فى دار الأوقاف بالسيدة زينب ونسخة فى طشقند.

ويرجح  أن السنة النبوية خطت أيضا خلافا لما هو سائد عن الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله "لا تكتبوا عنى غير القرآن"، وما يدلل على ذلك حديثه المنقول فى صحيح البخارى، بأنه عند فتح مكة خطب خطبة وطلب منه رجل يمنى يدعى "أبو شاه" بكتابة الخطبة ليرجع إلى أهله ويرويها لهم، فرد الرسول "اكتبوا لأبى شاه"، وهو ما يعنى أن السيرة النبوية تم كتاتبتها.

فى العصر العباسى عرف العرب ورق "الكاغد" وهو ورق صنعه الصينيون من لباب الشجر، ويتميز بأنه غير قابل للمحو ورخيص الثمن فلقى رواجا شديدا واستخدم فى الكتابة بدلا من الأنواع التى كانت معروفة وهى "البردى" و"القباطى" نسبة إلى القبط ، وكانت تصنع فى مصر فقط وثمنها مرتفعا، كما أنها أفضل من الرق الذى كان قابل للمحو وبالتالى قابل للتزييف ورائحته تتغير.

ومن المعروف كما يستطرد الدكتور أحمد عبدالباسط أن كل العلوم والمؤلفات العربية صدرت فى البداية لخدمة مصدرى التشريع (الكتاب والسنة)، وبعد أن ظهرت العلوم المنبثقة منها كعلوم الحديث والفقه واللغة وكتب التراجم والتاريخ، وانتعاش حركة الترجمة فى عهد يزيد بن معاوية، لم يكتف العقل العربى المبدع بطبيعته بنقل المعلومة بل تفكرها وتأملها، فأنتج ما يعرف بكتب "الشكوك" وهى مرحلة ما بعد النقل عن فلاسفة وعلماء اليونان، وظهرت كتب "الشكوك على جالينوس" و "الشكوك على بطليموس"  وهو نقد لكتب الفلاسفة الأوائل بالتصحيح والإضافة لما يحويه من معلومات علمية وتاريخية وغيره.

ثم تطورت تلك المرحلة إلى إنتاج أصيل يعبر عن نضج العقل العربى الإسلامى، متمثلا فى إنتاج أمهات الكتب فى مختلف المجالات التاريخية والدينية والعلمية، كما فى كتب عباقرة العرب " الحاوى" لأبو بكر الرازى، و"القانون" فى الطب لابن سينا، وكذلك مؤلفات ابن النفيس وابن الهيثم وغيرها. وهذه فترة يمكن وصفها  بـ"عندما تكلم العلم بالعربية".




تحقيق المخطوطات

مع تنامى واتساع الحضارة العربية الإسلامية أصبح المخطوط وثيقة علمية يتداولها طلاب العلم فى كل الأمصار والمدن، من هنا ظهرت مهنة "النساخ" الذين يقومون بطباعة المؤلف الأصلى سواء من تلاميذ الكاتب أو ممن اشتغلوا بمهنة النسخ التى لاقت رواجا كبيرا، مع ضرورة نسخ أمهات الكتب والمؤلفات العلمية.

ومن أشهر أسماء النساخ العرب محمد بن إسحاق النديم صاحب (الفهرست) والفيلسوف العربى أبا حيّان التوحيدى صاحب (الإمتاع والمؤانسة)، وإسماعيل بن حمّاد الجوهرى صاحب (الصحاح في اللغة)، وقد كان يُضرب به المثل فى حسن الخطّ، وياقوت الحموى صاحب معجمى (الأدباء والبلدان).

لكن عملية النسخ ارتبطت بإشكالية مهمة وهى مدى مقاربة النسخة بالمخطوط الأصلى، ومن هنا ظهر "علم تحقيق النصوص"، أى المنهجية التى يتبعها الباحثون لإثبات صحة المخطوط، ولهذا قواعد ثابتة، أهمها مدى صحة العنوان واسم المؤلف ونسبة الكتاب إليه، وأن مضمونه هو أقرب صورة لما أراده مؤلفه الأصلى.

لذلك عملية التحقيق يكون هدفها الوصول للمخطوط الأصلى، لكن نظرا لوجود نسخ خطية قد تصل مع بعض المؤلفات إلى 30 نسخة، فيعتمد الباحث لتحقيق مخطوط على ما يعرف بـ "منازل النسخ" أى البحث والتدقيق فى أقرب نسخة تقارب المنتج الأصلى وتكون بعيدة عن التحريف أو التزييف.

وتعتمد عملية تحقيق المخطوط  بحسب الدكتور أحمد عبدالباسط على عدة إجراءات يتم فيها جمع  أكبر عدد من النسخ ومقارنتها  للوصول إلى الصيغة المثلى لما تحتويه النسخة الأم، بدءا من العنوان ومرورا بالمضمون حتى الخاتمة، لإثبات الفروق بين النسخ، من علامات الترقيم والصيغ والاختصارات، وهى خطوات معروفة لدى العرب منذ علماء الحديث الأوائل مثل ابن الصلاح .

واللافت أن العرب تعرفوا على علم تحقيق النصوص نقلا عن المستشرقين، وكان صاحب أول تجربة معروفة فى ذلك الأمر المستشرق الألمانى "برجشتراسر" حين ألقى محاضرات فى جامعة فؤاد الأول بعنوان (أصول نقد النصوص)، وتعد بمثابة المرجعية فى هذا الأمر، لكن أول من أطلق كلمة تحقيق على عمله هو أحمد ذكى باشا فيما أنتجه من تحقيقات مثل "أنساب الخيل" و"الأصنام".

من هنا فالباحث فى علم التحقيق يبذل جهدا مضنيا لاستكمال عمله، بعيدا عما يعرف بالتحقيق الشعبى الذى لا يبذل فيه مجهود، ويقع فى الكثير من الأخطاء لعدم استيفاءه الشروط العلمية من جهة، ولأن هناك عمليات تزييف عديدة تمت مع القيام بنسخ المخطوطات الأصلية من جهة أخرى، وتذكر لنا الكتب حكايات عن وقائع تزييف قام بها البعض حبا فى الشهرة، واشتكى كثير من العُلماء مِن سرقةِ كتبهم ونسبتها إلى غيرهم، ومنهم السيوطى الذى ألف كتابا بعنوان (الفارق بين المصنف والسارق) يشكو فيه من سرقة كتبه وانتحالها.

ويذكر العلامة المؤرخ عبد السلام هارون وأحد أشهر المحققين فى القرن العشرين عن كتاب (تنبيه الملوك والمكايد) المنسوبُ خطأً إلى الجاحظ (المتوفى فى 255هـ)، ويوجد صورة منه فى دار الكتب المصرية، تحت رقم (2345 أدب)، أن أحد أبوابه جاءت بعنوان (نكت من مكايد كافور الإخشيدى)، وكافور الإخشيدى كان يحيا بين عامى 292هـ و 357هـ، أى بعد وفاة الجاحظ بعشرات السنين.

 

ولكن هناك أجهزة حديثة لتحقيق المخطوطات والكشف عن صحتها وأصوليتها مثل جهاز الكربون 14، كما يوجد جهاز فى ألمانيا يقوم بتحليل الأنسجة الورقية للمخطوط، ويحدد الفترة الزمنية لكتابته، ولكن لم يتم تعميمه لأنه يستلزم قطع جزء من ورق المخطوط وهذا بالطبع يضر به ويقلل من قيمته.

نظرة طموحة

مما سبق يتبين أهمية علم تحقيق المخطوطات كجزء أصيل فى عملية إحياء التراث العربى الإسلامى، بعدما تفرقت به السبل وضرورة الاهتمام  بنشر الأعمال المحققة، والتى تتكلف جهدا ومالا كبيرا فقد تصل تكلفة تصوير المخطوط للآلاف خاصة إذا كان يحتوى مجلدات كثيرة، فتصوير الصفحة الواحدة تصل إلى دولار أمريكى فى المكتبات الكبرى.

من هنا تأتى أهمية الدور الذى تقوم به دار الوثائق القومية التى تقدم خدمات جليلة للباحثين فى علم تحقيق المخطوطات من خلال ما تضمه من أصول لأهم المخطوطات العربية ونسخها، كما أنها  تشرف علميا وتتكلف ماديا جهد لعدد كبير من الباحثين، ويضم متحف المخطوطات بها كنزا ضخما، يحوى أكثر من 100 ألف مخطوط، من أشهرها أصل مخطوط  "الكواكب الدرية فى مدح خير البرية" وهو نسخة أثرية من قصيدة البردة للبوصيرى، بخط شيخ الخطاطين فى العصر المملوكى، وهى وقف السلطان الأشرف برسباى عام 804 هـ.. ويوجد بها أيضا مخطوط "تقريب التهذيب" لابن حجر العسقلانى وهو شرح لصحيح البخارى.

وفى ذات السياق يقدم معهد المخطوطات التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم خدمة عالية لباحثى تحقيق المخطوطات والتراث العربى الإسلامى، حيث يهتم بجمع ونشر مصورات المخطوطات ويجمعها من كافة المكتبات والمراكز والمؤسسات العالمية، ووصلت حتى الآن إلى ما يفوق 70 ألف مصور من المخطوطات، ويضمها فى فهارس مجموعة رقميا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تم النشر فى جريدة التحرير مايو 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق