في العام الماضي أسعدني الحظ لرؤية معرض الفنان أدهم لطفي بمكتبة البلد، ووسط خطوطه التي أبدع بها ملامح المشاهير في بورتريهاته العبقرية، استوقفني وجه تلك الريفية بطرحتها السوداء ويدها الملقاة علي خدها، فتهت معها في نوبة سرحان أتأمل نظرتها العميقة.. كان هذا الوجه الحزين لسعاد حسني، الذي ربما استوحاه أدهم من شخصية "فاطمة" في فيلمها الشهير "الزوجة الثانية"، وأراد به أن يبتعد عن ملامح البنت الشقية خفيفة الظل التي اعتاد الفنانون تصوير سعاد عليه.
في هذا المشهد البديع تخيلت سعاد وكأنها تقف في لحظة تأمل، تسترجع تاريخها الدرامي الطويل، منذ قدمت إلي الحياة بين ستة عشر شقيقا وشقيقة، لكنها رغم ذلك نسجت أول خيوط عزلتها عندما انفصل أبواها وهي في الخامسة من عمرها، فتمزقت بين حنان الأم الضائع وفقر الأب الذي حرم بناته من التعليم، وتأتيها قشة النجاة من زوج والدتها الذي ساعدها علي التعليم في البيت، وزوج أختها سميرة الذي علمها الموسيقي والغناء، واستطاع أن يقدمها للإذاعة في برنامج "بابا شارو"، ليلتقطها عبدالرحمن الخميسي واختارها لتقوم بدور أوفيليا في مسرحيته "هاملت شكسبير".. وتبدأ بعدها مشوار النجومية حينما رشحها للمخرج بركات عام 1958 في فيلم "حسن ونعيمة".منذ ذلك الحين استطاعت سعاد أن تمارس قدرتها البارعة علي التلون، ومن دور إلي آخر نفذت كالساحرة إلي قلوب الناس، بجاذبيتها الآخاذة وروحها الفياضة، نصدقها حين تضحكك وتدمي قلوبنا حين تبكي.. وبين هذا وتلك تقف هي وحيدة رغم كل العاشقين الذين ترنحوا أمامها، ورغم زيجاتها المتعددة لم يستطع أحد منهم أن يداوي جراحها المكبوتة التي اعتادت أن تحرقها في كل شخصية جسدتها، تفننت في حريق الجسد المشتعل الذي أغوي الملايين، لكنه كان الجسد الذي كانت روحها وقوده الدائم.هذه هي سعاد حسني تلك الطاقة الحية التي لم تتوقف عن الاشتعال إلا بعد أن غاب عنها مرشدها ورفيقها صلاح جاهين، ذلك العبقري الذي انتشلها من نفسها وهداها إلي مواطن الدهشة المطلقة بداخلها، ورفعها علي عرش النجومية ملكة متوجة.. وهجاً دائماً.. وجمرة أطلت علي الشاشه لتشحن في النفوس طاقه الإعجاب والولع، وتخلق للمرأة صورة جديدة، تتطلع كل أنثي أن تكون عليها، ويطمح كل رجل أن يجد في امرأته شيئا منها.ذهبت سعاد بملهاتها ومآساتها، ورغم الحكايات الدرامية عنها ووجها الحزين الذي كان الأقرب لنفسي، لكنني في ذكراها الثامنة أراها في عالمها الآخر وقد خلعت طرحتها وارتدت فستانا كاشفا لتبدو مثل تلك الريفية في مشهد البداية بأحد الأفلام الإيطالية، حين ظهرت قدميها الممشوقتين الناصعتين البياض، وباتت الصورة تقترب لتكشف عن جمالهما أكثر وهي ترفع طرف فستانها لتجمع ما تستطيعه من نبات الكرز الأحمر، وبعد أن اكتفت تسير وسط المزارع فرحة بحصادها، وتمسح إحدي الحبات بحكها علي صدرها، ثم تتناولها وقد غمرتها النشوة في مشهد لا نعرف أيهما (المرأة والكرز) ذاب في الآخر..
في هذا المشهد البديع تخيلت سعاد وكأنها تقف في لحظة تأمل، تسترجع تاريخها الدرامي الطويل، منذ قدمت إلي الحياة بين ستة عشر شقيقا وشقيقة، لكنها رغم ذلك نسجت أول خيوط عزلتها عندما انفصل أبواها وهي في الخامسة من عمرها، فتمزقت بين حنان الأم الضائع وفقر الأب الذي حرم بناته من التعليم، وتأتيها قشة النجاة من زوج والدتها الذي ساعدها علي التعليم في البيت، وزوج أختها سميرة الذي علمها الموسيقي والغناء، واستطاع أن يقدمها للإذاعة في برنامج "بابا شارو"، ليلتقطها عبدالرحمن الخميسي واختارها لتقوم بدور أوفيليا في مسرحيته "هاملت شكسبير".. وتبدأ بعدها مشوار النجومية حينما رشحها للمخرج بركات عام 1958 في فيلم "حسن ونعيمة".منذ ذلك الحين استطاعت سعاد أن تمارس قدرتها البارعة علي التلون، ومن دور إلي آخر نفذت كالساحرة إلي قلوب الناس، بجاذبيتها الآخاذة وروحها الفياضة، نصدقها حين تضحكك وتدمي قلوبنا حين تبكي.. وبين هذا وتلك تقف هي وحيدة رغم كل العاشقين الذين ترنحوا أمامها، ورغم زيجاتها المتعددة لم يستطع أحد منهم أن يداوي جراحها المكبوتة التي اعتادت أن تحرقها في كل شخصية جسدتها، تفننت في حريق الجسد المشتعل الذي أغوي الملايين، لكنه كان الجسد الذي كانت روحها وقوده الدائم.هذه هي سعاد حسني تلك الطاقة الحية التي لم تتوقف عن الاشتعال إلا بعد أن غاب عنها مرشدها ورفيقها صلاح جاهين، ذلك العبقري الذي انتشلها من نفسها وهداها إلي مواطن الدهشة المطلقة بداخلها، ورفعها علي عرش النجومية ملكة متوجة.. وهجاً دائماً.. وجمرة أطلت علي الشاشه لتشحن في النفوس طاقه الإعجاب والولع، وتخلق للمرأة صورة جديدة، تتطلع كل أنثي أن تكون عليها، ويطمح كل رجل أن يجد في امرأته شيئا منها.ذهبت سعاد بملهاتها ومآساتها، ورغم الحكايات الدرامية عنها ووجها الحزين الذي كان الأقرب لنفسي، لكنني في ذكراها الثامنة أراها في عالمها الآخر وقد خلعت طرحتها وارتدت فستانا كاشفا لتبدو مثل تلك الريفية في مشهد البداية بأحد الأفلام الإيطالية، حين ظهرت قدميها الممشوقتين الناصعتين البياض، وباتت الصورة تقترب لتكشف عن جمالهما أكثر وهي ترفع طرف فستانها لتجمع ما تستطيعه من نبات الكرز الأحمر، وبعد أن اكتفت تسير وسط المزارع فرحة بحصادها، وتمسح إحدي الحبات بحكها علي صدرها، ثم تتناولها وقد غمرتها النشوة في مشهد لا نعرف أيهما (المرأة والكرز) ذاب في الآخر..
زينب حسن
29 يونيو 2009