يجلس سيد يوميا فى ميدان باب الخلق أمام مديرية أمن القاهرة وسط زملائه من عمال التراحيل حيث يضع كل منهم أدواته التى يستعملها فى أعمال البناء فى انتظار أن يأتى أحد الزبائن ممن يجهز بيته بالدهان أو تركيب السيراميك أو حمل مخلفات هدم أو غير ذلك مما يضمن له رزق اليوم الذى ربما يأتى أو لا فالأمر بيد الله..
وبينما يتجاذب زملائه أطراف الحديث يشرد بذهنه إلى ذلك اليوم الذى جلس فيه على نفس الحال مع مجموعة أخرى من أبناء قريته بالقليوبية فى إحدى أحياء مدينة جدة السعودية حين سافروا بتأشيرات عمرة دفعوا رسومها بالسلف والدين على أمل أن يتمكنوا هناك من العمل والحصول على إقامة رسمية، فتظهر أمامهم سيارتان فارهتان من طراز الدفع الرباعى بهما شابان سعوديان وطلبا من بعضهم الركوب للعمل فى أعمال بناء لعمارات شاهقة على أطراف المدينة، وعندما تزاحم العمال دعوهم يركبوا جميعا، وظلوا لمدة ساعة محشورين فى السياريتين غير مكترثين سوى بالمال القادم من هذه المقاولة التى من المؤكد سوف تغير حياتهم جميعا.. وفى مكان صحراوى مترامى الاتساع طلبا الشابان من العمال النزول، وما إن بدأ العمال فى تأمل الموقع الخالى تماما سوى من تلال الرمال وحرارة الشمس الحارقة فى هذا الوقت من نهار أغسطس، قفز الشابان بسرعة البرق إلى مقعدى القيادة وفرا بالسياريتين وهما يضحكان ساخرين من العمال ملوحين بأيديهم، وقال أحدهم عن بعد: "عيشوا شباب الله يوفقكم فى العمل الجديد"، سيد وزملاؤه وقفوا صامتين يتبادل بعضهم البعض نظرات القهر وآيات الذل التى أوقعتهم تحت رحمة هؤلاء العابثين وظلوا لساعات سائرين تحت هجير الشمس إلا أن تلقفتهم سيارة دورية أمنية، اتخذت معهم الإجراءات اللازمة حتى تم ترحيلهم لمصر..