رغم أوجاع قلبك المفطوم على الحزن كنت دائما تمنحينى بين ركام الألم فرحا بفيض مشاعرك الجارفة التى تسكن دنياى طيفا وحلما, ونداء لا يتوقف صداه بصرخاته المزلزلة الحانية عن اختراق جدران حياتى الراكدة المنذورة للفقد.
قلت لك: "الدنيا لا تحبنى" فلم تمهلنى الكثير حتى تعطينى دليلا جديدا على ذلك، لكنها هذه المرة أصابتنى فى مقتل..
كنت سابقا فى كل مرات غدرها أجد لى مخرجا، شيئا فشيئا تمرست على المراوغة والافلات قبل أن تسقطنى فى دوامات الضعف والانكسار، واعتدت الاشفاق عليها والبحث عن مبررات قسوتها معى، كانت معاركى معها دائما شريفة أكسبها بالرضا والصبر والأمل فى أن ما هو مفقود الآن سيولد فى الغد.
أتتنى الطعنة من حيث لا أدرى ولا أحتمل.. لم تكن رشا أختى الصغيرة فحسب بل كانت ابنتى البكر..
لكل بيت عبير كانت رشا زهرتنا الفواحة التى تملأنا بالبهحة حين تشتد علينا الأيام, كانت عامودنا الذى نستند إليه ونحمله أعبائنا فتتحمل بصدر رحب متفانية فى خدمتنا جميعا.
أشعر ببراكين أحزانى الخاملة وقد نشطت جميعها تكوى بحممها أوصالى وكيانى وتحرك من بين الرماد كل النيران التى دفنتها لتحرق معها كل ما هو قادم من أيام العمر الذى أتمنى ألا يطول.
لقد ارتضيت بما منحتنى السماء .. وركنت أطماعى على باب القدر الذى لا يوافينا بالمواعيد التى نرجوها.